لم تعد قضية التنمّر المدرسي مجرد سلوك فردي عابر، بل أصبحت ظاهرة عالمية تهدد الصحة النفسية للأطفال والمراهقين وتؤثر على مسارهم التعليمي والاجتماعي.
إذ تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن واحداً من بين كل ثلاثة طلاب حول العالم تعرّض لشكل من أشكال التنمّر.
الأمر الذي يضع المدارس والأسر والمجتمع أمام تحدٍّ حقيقي لحماية الطلاب وبناء بيئة تعليمية آمنة وداعمة.
التنمّر هو سلوك عدواني متكرر، قد يكون لفظياً أو جسدياً أو نفسياً، يستهدف طالباً أو أكثر بشكل متعمد. لا يقتصر على الضرب أو الإيذاء الجسدي، بل يشمل أيضاً السخرية، نشر الشائعات، العزل الاجتماعي، أو حتى التنمّر الإلكتروني الذي يتنامى مع انتشار وسائل التواصل.
أخطر ما في التنمّر أنه يترك آثاراً طويلة الأمد على ثقة الطفل بنفسه، وصحته النفسية، وقدرته على التعلم والتفاعل مع الآخرين.
المدرسة ليست فقط مكاناً للتعليم الأكاديمي، بل هي بيئة اجتماعية تشكّل شخصية الطالب. وهنا يبرز دورها في:
الإعلان عن قوانين صارمة ضد التنمّر، وتطبيقها بعدل وشفافية.
تزويد المعلمين بمهارات الكشف المبكر عن التنمّر، وكيفية التدخل السريع بطريقة تربوية.
ترسيخ قيم التعاون والتعاطف عبر الأنشطة المدرسية والمناهج.
توفير صناديق ملاحظات أو خطوط هاتفية سرية تتيح للطلاب التعبير عن معاناتهم دون خوف.
مكافحة التنمّر لا تكتمل من دون الأسرة. إذ يحتاج الطفل إلى بيئة منزلية داعمة تُشعره بالأمان والثقة. من أهم النصائح للأهل:
فتح حوار يومي معه لاكتشاف أي تغيّر في سلوكه أو رغبته في الذهاب إلى المدرسة.
تشجيع الطفل على التعبير عن نفسه وممارسة الأنشطة التي يحبها.
التواصل المستمر مع المعلمين والإدارة لمتابعة أي حالات تنمّر محتملة.
من المهم أيضاً تزويد الطلاب أنفسهم بمهارات تحميهم من التنمّر، مثل:
المدارس الرائدة حول العالم تعتمد برامج توعوية مثل "أسبوع مكافحة التنمّر" أو ورش عمل مسرحية تتيح للطلاب التعبير عن تجاربهم. كما تلعب الرياضة والفنون دوراً مهماً في دمج الطلاب المختلفين وتعزيز روح الفريق.
إدخال حصص حول "التربية العاطفية" يساعد الأطفال على التعاطف مع الآخرين وفهم مشاعرهم بدلاً من السخرية منهم.
التنمّر في المدرسة ليس قدراً محتوماً، بل تحدٍّ يمكن التغلب عليه بتكاتف الجميع: المدرسة، الأسرة، والمجتمع.
حين يجد الطفل بيئة تحترم اختلافاته وتدعمه، فإنه ينمو واثقاً بنفسه، قادراً على التعلم، وصنع مستقبل أكثر إشراقاً. مكافحة التنمّر ليست مجرد حماية فرد، بل استثمار في جيل كامل أكثر قوة ورحمة.