في ظل ازدياد حالات الطلاق عالميًّا، بات من السهل التعامل مع هذه الظاهرة كأمر اعتيادي.
لكن خلف الأرقام والإحصاءات، هناك وجوه صغيرة وعقول جديدة على الحياة تتلقى تبعات هذا الانفصال بصمت مؤلم.
فالطلاق، حتى حين يكون مخرجًا ضروريًّا للوالدين، قد يترك في نفس الطفل ندوبًا طويلة الأمد، لا تُمحى بسهولة.
تشير الدراسات إلى أن الأطفال الذين يعيشون في أسر مفككة يعانون من مشكلات نفسية وسلوكية حتى قبل وقوع الانفصال الرسمي.
غالبًا ما يُنظر إلى الطلاق باعتباره قرارًا قانونيًّا أو عائليًّا، دون التطرق لما يتركه من آثار عاطفية هائلة. فبالنسبة للطفل، لا يمثّل الطلاق فقط تغييرًا في المسكن أو الجدول الأسبوعي، بل انهيارًا لصورة الأسرة الآمنة التي اعتادها.
تختلط المشاعر بين الحزن، والغضب، والشعور بالذنب، وقد يظن الطفل أنه السبب في فشل العلاقة، خاصة إذا لم يتلقَّ شرحًا مناسبًا لما يحدث. في بعض الحالات، يعيش الأطفال إحساسًا عميقًا بانعدام الأمان، يفقدون معه الثقة بالعلاقات والاستقرار.
أحد أكثر العوامل المؤذية للأطفال بعد الطلاق هو الصراع المستمر بين الوالدين. فعندما ينقسم العالم إلى "أم ضد أب"، يُجبر الطفل على أن يختار، أو أن يشعر بأنه خائن لأحدهما كلما اقترب من الآخر.
في حالات كثيرة، يُساء استخدام الطفل كأداة للمساومة أو وسيلة للانتقام. هذا التوتر المستمر يشوّه إدراك الطفل للحب، ويغذّي داخله مشاعر متضاربة من الولاء والذنب والخذلان.
الخبير النفسي الكندي آرثر ليونوف يشير في كتابه الطلاق الجيّد إلى أهمية الحفاظ على الصورة الذهنية المتكاملة للطفل عن والديه؛ لأن هذه الصورة هي أساس هويته النفسية. فعندما تُشوّه صورة أحد الوالدين أمامه، فإن الطفل لا يفقد فقط ثقته به، بل يفقد جزءًا من ثقته بذاته.
ليس من السهل على الطفل أن يعيش بين منزلين، مهما كانت النوايا طيبة. يحتاج إلى أن يشعر بأن كل من المنزلين "بيته" فعلًا، لا مجرد محطة مؤقتة.
وغالبًا ما يُعاني من صعوبة التكيّف مع قواعد مختلفة، أنماط حياة متباينة، وربما مشاعر متضادة تُجاه كلّ من الوالدين.
لكن في بعض الحالات، حين يكون أحد المنزلين خاليًا من التوتر والمشاحنات، قد يشعر الطفل براحة نفسية لم يكن يعرفها من قبل. فوجود بيئة هادئة، حتى إن كانت جديدة، يمكن أن يكون عامل حماية مهم في مسيرة تعافيه النفسي.
على الرغم من أننا لا يمكن أن نتجاوز التأثيرات السلبية لتفكيك مفهوم العائلة الأساسي الذي يفهمه الطفل، إلا أن هناك طرق من شأنها التخفيف من أثر الطلاق على الأطفال من خلال:
مهما كان الانفصال مؤلمًا، من الضروري أن يحاول الوالدان التعامل مع بعضهما باحترام وهدوء. فالتواصل المرن والمنفتح يُجنّب الأطفال الشعور بأنهم "عالقون في المنتصف".
يحتاج الأطفال إلى روتين واضح ومحيط مألوف. فكلما قلّت التغييرات المفاجئة في حياتهم اليومية، شعروا بمزيد من الأمان.
لا ينبغي أن يُترك الطفل للخيال والافتراضات. من حقه أن يُشرح له بلغة تناسب عمره ما الذي يحدث ولماذا.
لا يجوز للوالد أن يُحمّل الطفل مشاعره تجاه الطرف الآخر، سواء كانت مشاعر خيانة أو خيبة أو كره.
سواء للطفل أو الوالدين، فالعلاج النفسي قد يكون خطوة جوهرية في تخفيف آثار الطلاق وإعادة ترميم الروابط الأسرية.
الطلاق، رغم كونه قرارًا شخصيًّا، إلا أن تبعاته تتجاوز الطرفين المنفصلين. هو زلزال صغير تهتز معه حياة طفل، تتغيّر ملامح عالمه، ويُطلب منه التكيّف دون أن يفهم تمامًا كيف ولماذا.
لكن هذا الزلزال لا يجب أن يُخلّف دمارًا دائمًا. مع الوعي، والنضج، والتعامل المسؤول من قبل الوالدين، يمكن للطفل أن يعبر هذه المرحلة بسلام. فالأمر لا يتوقف على انفصال الوالدين، بل على كيفيّة استمرارهم في الحب والاهتمام والتواجد في حياة أبنائهم، كلٌّ من مكانه.