في بعض الأيام، قد تشعرين بأن طفلك يتحدث أكثر من أي أحد في البيت، يسرد القصص بلا انقطاع، ويطرح الأسئلة بلا نهاية، يقاطع الحوار، يروي تفاصيل دقيقة عن كل ما شاهده أو شعر به.
وفي كل مرة تحاولين التركيز أو الاستراحة، تجدين نفسك في قلب حكاية جديدة منه.
قد تبدو هذه العادة لطيفة في البداية، وقد تفرحين بنشاطه اللفظي، لكن في لحظات التعب أو الضغط، يصبح الأمر مُرهقًا لكِ ولمن حوله.
بل وقد يخلق تحديات اجتماعية له مع أصدقائه، إذ يشعر البعض أن الحديث المفرط يأخذ كل المساحة.
فهل يُعد التحدث المفرط علامة ذكاء؟ أم حاجة عاطفية؟ وهل من الضروري التدخل؟ الأجوبة ليست دائمًا مباشرة، لكن الخبراء يشيرون إلى أن الأطفال الذين يتحدثون كثيرًا لا يفتقرون إلى الذكاء بل إلى مهارات الحوار.
فيما يلي خطوات عملية لمساعدته على تطوير هذه المهارات دون كبح شخصيته أو حماسه.
الثرثرة ليست دائمًا سلوكًا سلبيًا. في بعض الأحيان، يتحدث الطفل بلا توقف بدافع:
هل يخبرك بتفاصيل كل خطوة في طريقه إلى المدرسة قبل الوصول إلى النقطة المهمة؟ هنا تكمن أهمية "التلخيص الذكي".
ساعديه عبر تمارين بسيطة، كأن تطلبي منه استخدام تركيبة:
"أولًا… ثم… وبعدها… وأخيرًا…"
هذه التقنية تعلّمه ترتيب الأحداث واختيار ما هو مهم ومثير للاهتمام للمستمع.
قدّمي له نموذجًا بصريًا عبر لعبة بسيطة: تبادل الكرة أثناء الحديث. كل من يحمل الكرة يتحدث، ثم يرميها للآخر ليأخذ دوره.
هذه الطريقة تساعده على فهم فكرة "الأخذ والعطاء" في الحوار، تمامًا كألعاب المشاركة.
ارفقي معه رسمًا لدائرة مقسّمة بالتساوي، وفسّري أن كل شخص في الحوار له "قطعة من الفطيرة".
إذا أخذ أحدهم معظم الوقت، فلن يتبقى شيء للآخرين. هذا التصوّر البسيط يساعد الأطفال على احترام دور الآخرين في الحديث.
إذا لاحظتِ أن الآخرين بدؤوا يتململون، ينظرون بعيدًا، أو يطلبون منه السكوت، فهذه إشارات يجب أن يتوقف عندها.
درّبيه على التعرف على هذه العلامات باحترام، وقولي له:
إذا لاحظتَ أن صديقك لا يرد، أو يبدو مشغولًا، توقف بلطف. يمكنك قول: 'سأتوقف الآن'.
بعض الأطفال يختارون أسوأ اللحظات للحديث (أثناء عملك، أو عند مشاهدة شخص لشيء مهم…).
علّميه التفريق بين الأوقات المناسبة وغير المناسبة، عبر أسئلة مثل:
هذا التدريب يعزز مهاراته الاجتماعية ويقلل فرص الإحراج أو التجاهل.
لا نريد أن نجعل الطفل يشعر أن صوته غير مهم، بل نريد تعليمه كيف يجعل حديثه مرغوبًا ومحببًا، لا مرهقًا أو منفرًا.
استمعي إليه أولًا، ثم قومي بتوجيهه بلطف، واحتفلي بتحسنه مهما بدا بسيطًا.
الطفل كثير الكلام لا يحتاج إلى إسكات… بل إلى تدريب. فالكلام طاقة، وذكاء، وشغف بالحياة، وكل ما يحتاجه هو التوجيه ليعرف "متى يتحدث؟ وكيف؟ ولمن؟".
بمساعدتك، سيتحوّل هذا السلوك من مصدر إزعاج محتمل… إلى مهارة تواصل تبهر من حوله.