في كثير من الأحيان، نجد أنفسنا نتنازل عن رغباتنا، نغيّر خططنا، أو نشعر بالذنب لمجرّد قول "لا". وقد لا ننتبه أن ما نمر به ليس مجرد خلاف بسيط أو تباين في الآراء، بل شكل خفي من أشكال السيطرة يُعرف بالابتزاز العاطفي.
الابتزاز العاطفي ليس بالضرورة أن يكون صراخًا أو تهديدًا صريحًا. بل هو تكتيك نفسي متقن يعتمد على اللعب على أوتار المشاعر, الذنب، الخوف، والواجب لدفع الطرف الآخر إلى الانصياع لما يريده الشخص المبتز. وغالبًا ما يصدر هذا الابتزاز من أقرب الناس: شريك حياة، أحد الوالدين، أو حتى صديق مقرّب.
يأخذ الابتزاز العاطفي أشكالًا متعددة، لكن أبرز سماته هي إشعارك بأنك شخص أناني أو مقصّر إن لم تفعل ما يُطلب منك. من العبارات المتكررة التي تُستخدم في هذا السياق:
هذه العبارات لا تُقال عبثًا، بل تُبنى بعناية لتخترق دفاعاتك وتزرع داخلك شعورًا بالذنب والخوف من فقدان العلاقة أو الإيذاء النفسي للطرف الآخر.
الأشخاص الأكثر عُرضة للابتزاز العاطفي غالبًا ما يتمتعون بقدر عالٍ من التعاطف، ويخافون من جرح مشاعر الآخرين، أو لديهم احتياج عميق للقبول والحب. هذه الصفات الإنسانية النبيلة قد تتحول إلى نقاط ضعف إذا استغلها الطرف الآخر بأسلوب غير مباشر، خاصة إن كان يحمل شخصية مسيطرة أو نرجسية.
في العلاقات العاطفية مثلًا، قد يُستخدم الحب كسلاح: لو كنت تحبني حقًا لما رفضت طلبي. وهنا يتحوّل الحب من مساحة آمنة إلى وسيلة ضغط.
ليس كل تعبير عن الاحتياج ابتزازًا، فطلب المساندة أو التفاهم أمر طبيعي في أي علاقة. لكن الفرق الجوهري يكمن في النية والأسلوب:
في الطلب الصحي، يُعبَّر عن الرغبة بوضوح مع احترام حرية الطرف الآخر.
في الابتزاز، يُربط الطلب بمشاعر سلبية، وكأن الامتناع عنه عقوبة أو خيانة.
الحماية من الابتزاز العاطفي تبدأ أولًا بالوعي. كلما كان الشخص قادرًا على رصد الأنماط المتكررة من الضغط العاطفي، استطاع أن يتخذ قرارات أكثر اتزانًا. ومن النصائح الفعالة:
هل تشعر بالذنب والخوف؟ هل تتكرر هذه المشاعر مع الشخص نفسه؟
خذ وقتك قبل اتخاذ القرار، ولا تشعر بأن عليك الاستجابة فورًا.
من حقك أن تقول "لا" دون أن تُبرر أو تشعر بالذنب.
إن شعرت أن العلاقة تنهكك نفسيًّا، فلا تتجاهل الإشارات.
الابتزاز العاطفي لا يترك كدمات على الجسد، لكنه يخلّف آثارًا عميقة في النفس. وما لم ننتبه له، قد يتحول إلى نمط متكرر نعيشه ونعيده مع الآخرين دون وعي. القدرة على التمييز بين الدعم المتبادل والضغط العاطفي هي الخطوة الأولى نحو علاقات أكثر صحة، وأقل استنزافًا.