في اللحظة التي يُلاحظ فيها الأهل أن سلوك طفلهم لا يسير وفق المتوقع، أو أن نموه يختلف عن أقرانه، قد تُراودهم مشاعر مختلطة: القلق، الارتباك، وربما الخوف من المجهول.
ولكن ما يحدث أحيانا، أن هذه المشاعر لا تقود إلى التحرك نحو الفحص أو الاستشارة، بل إلى الإنكار.
وهو رد فعل نفسي شائع يُقنع فيه الأهل أنفسهم أن "كل شيء بخير"، حتى وهم يرون الدلائل تزداد وضوحا يوما بعد يوم. أو حتى لو تلقوا ملاحظات خارجية من الأقارب والأصدقاء.
الإنكار لا يأتي من قسوة أو لامبالاة، بل من مكان هشّ تماما في داخل النفس. هو محاولة لا واعية لحماية الذات من ألم الاعتراف بأن هناك شيئاً "غير طبيعي" يحدث للطفل.
بعض الأمهات والآباء يخشون أن يحمل التشخيص وصمة اجتماعية، أو أن يعني ذلك أن طفلهم لن يعيش حياة "عادية".
وبعضهم يظن أن الطفل سيتجاوز الأمر مع الوقت، دون تدخل أو دعم.
في كثير من الحالات، تبدأ التأتأة عند الأطفال في عمر صغير، وقد تكون عابرة لدى البعض. لكن إذا استمرت لعدة أشهر وبدأت تُعيق تواصله أو تُشعره بالحرج، فإن التدخل المبكر من اختصاصي النطق قد يُحدث فرقا كبيرا.
للأسف، كثير من الأهل يرفضون الاعتراف بوجود مشكلة في البداية، ويُقللون من شأنها بعبارات مثل: "لسانه ثقيل فقط وسوف يتحسن"، أو "عمّك كان يُتأتئ واختلف الأمر عندما كبر". والنتيجة؟ تأخر في الدعم المناسب، وازدياد شعور الطفل بالإحباط والعزلة.
الخوف من نظرة المجتمع هو من أبرز أسباب الإنكار. يخشى الأهل أن يُشار إلى طفلهم بأنه "مختلف"، أو أن يُعامَل على نحو خاص في المدرسة أو من قبل الأقارب.
هذا القلق قد يدفعهم إلى إخفاء المؤشرات المبكرة، أو حتى رفض تقارير المختصين. ولكن في النهاية، الطفل هو من يدفع الثمن.
إن تجاهل مشكلات مثل التأخر الوظيفي، صعوبات التعلم، اضطرابات التواصل، أو حتى القلق الطفولي لا يُلغيها. بل قد يُفاقمها.
كلما طال وقت الانتظار دون دعم أو تقييم، تقل فرص التدخل المبكر، وتزداد احتمالية أن تتأثر ثقة الطفل بنفسه أو علاقاته أو أدائه الأكاديمي لاحقاً.
الوعي أولاً: لا أحد يملك الحقيقة الكاملة من النظرة الأولى. لكن الاستماع لملاحظات المختصين والمعلمين وعدم تجاهل العلامات الأولى هما الخطوة الأولى نحو التغيير.
الحديث المفتوح: مشاركة المخاوف مع شريك الحياة أو مرشد نفسي قد يساعد الأهل على تنظيم مشاعرهم والتعامل معها بمرونة.
التثقيف الذاتي: القراءة والاطلاع حول طبيعة التشخيصات المبكرة يمكن أن يخفف الخوف منها، ويحولها من "وصمة" إلى "معلومة".
التركيز على مصلحة الطفل: في النهاية، ما يهم ليس "ماذا سيقول الناس"، بل ماذا يحتاج هذا الطفل الآن ليشعر بالأمان والثقة والنجاح.
قد يكون الاعتراف بوجود مشكلة لدى الطفل من أصعب ما يمر به الأهل، لكنه أيضا أشجع ما يمكنهم فعله.
فالحب لا يُقاس فقط بالرغبة في الحماية، بل بالقدرة على المواجهة والعمل من أجل مستقبل أفضل. والإنكار، مهما بدا مريحا في لحظته، لا يُداوي ولا يُبدد الواقع. بل فقط يُؤخر الطريق إلى الشفاء.