لا يولد القلق من فراغ. فهو شعور إنساني طبيعي يظهر في لحظات التوتر وعدم اليقين، لا سيما لدى الأمهات اللواتي يتحملن عبء حماية أبنائهن، وتوفير بيئة آمنة لهم.
لكن في بعض الأحيان، يتجاوز هذا القلق حدوده الطبيعية، ليصبح عبئًا نفسيًا يؤثر ليس فقط على الأم، بل يمتد ليطبّع حياة الطفل النفسية والعاطفية منذ سنواته الأولى.
في هذا الحوار، توضح الأخصائية النفسية والاجتماعية لانا قصقص الفرق بين القلق الطبيعي والقلق المفرط، وتشرح كيف ينعكس هذا الشعور على علاقة الأم بطفلها، وعلى صحته النفسية وسلوكه اليومي.
كما تسلط الضوء على العلامات التحذيرية التي يجب أن تنتبه لها الأم، وعلى أهمية تلقي الدعم النفسي في الوقت المناسب.
إليك أبرز المعلومات التي تحتاجينها حول موضوع قلق الأم، وتأثيره على أطفالها:
بحسب قصقص، فإن القلق الطبيعي هو استجابة فطرية ومؤقتة تجاه مواقف محددة يتعرّض لها الطفل، مثل المرض، أو السقوط، أو أول يوم في المدرسة، وسرعان ما يزول هذا الشعور بعد أن تطمئن الأم على طفلها.
أما القلق المفرط، فهو حالة مستمرة لا تتناسب مع الموقف، وتُرافقه أفكار سلبية متكررة، وصعوبة في التركيز أو النوم، وفرط في التفكير.
وهنا، لا يعود القلق مجرّد شعور عابر، بل يبدأ بالتأثير على العلاقة بين الأم وطفلها، ويخلق توترًا دائمًا في الحياة اليومية.
تشير قصقص إلى أن القلق المزمن لدى الأم يؤثر على نمو الطفل العاطفي والاجتماعي، خصوصًا في السنوات الأولى التي تشهد نمو الدماغ وتكوّن الروابط العاطفية.
قد يُظهر الطفل أعراضًا مثل: اضطرابات التعلّق، ضعف في الثقة بالنفس، صعوبة في تنظيم المشاعر أو حتى تمييزها، بل ويتبنّى أحيانًا نمط القلق ذاته ليصبح طفلًا قلقًا، يعاني من الرهاب الاجتماعي أو اضطرابات في النوم والطعام، أو عدوانية مفرطة.
تجيب الأخصائية: نعم، الأطفال يشعرون بقلق الأم حتى لو لم تعبّر عنه بالكلمات، لأنهم يعتمدون في تواصلهم المبكر على الملاحظة والحواس. يراقب الطفل لغة الجسد، نبرة الصوت، وتعبيرات الوجه، فيستشعر التوتر ويتأثر به سلوكيًا.
بحسب قصقص، تظهر مؤشرات كثيرة لدى الطفل المتأثر بقلق والدته، من بينها:
توضح قصقص أن للقلق جانبًا وراثيًا يتمثّل في الاستعداد البيولوجي، لكن الجانب التربوي يبقى حاسمًا، حيث ينتقل القلق من خلال ما يُعرف بـ"نمذجة السلوك"، أي تقليد الطفل لما يراه لدى الأم والأب. فالوراثة والتربية يتكاملان في تشكيل نمط الشخصية القلقة.
تؤكد قصقص على أن دعم الأم نفسيًا ضرورة ملحّة، ليس فقط لتوفير بيئة مستقرة للطفل، بل أيضًا لحماية الأم نفسها. فالعلاج، وخصوصًا العلاج المعرفي السلوكي، يساعد الأم على فهم مشاعرها وتنظيم أفكارها وسلوكياتها، وهو ما ينعكس إيجابًا على علاقتها بذاتها وأطفالها.
وتضيف: طلب المساعدة النفسية لا يعني وجود خلل، بل هو خطوة واعية ومسؤولة لحماية الطفل وتأمين بيئة عاطفية داعمة لنموه السليم.
قلق الأم لا يجب تجاهله أو التقليل من شأنه، لأنه قد يتحوّل إلى عبء يثقل كاهل العلاقة مع الطفل، حتى دون وعي. لكن بالإدراك، والدعم، والمساعدة النفسية، يمكن تحويل هذا القلق إلى وعي عاطفي ناضج، يخلق تواصلًا آمنًا وصحيًا بين الأم وأبنائها.