الثقة بالنفس ليست مجرد سمة يولد بها الطفل أو يفتقدها، بل هي بذرة صغيرة تُزرع في أعماقه منذ سنواته الأولى، وتحتاج إلى رعاية حانية، وتربة من الحب، وهواء من القبول، وضوء من التشجيع.
كثيرًا ما نخلط بين التربية الجيدة والضغط المثالي، فنظن أن تحفيز الطفل يعني دفعه دائمًا ليكون "الأفضل"، بينما الحقيقة أن الطفل لا يحتاج إلى أن يكون متفوقًا أو مميزًا حتى يشعر بالثقة، بل يحتاج فقط إلى أن يُرى، ويُسمع، ويُفهم كما هو.
إن بناء ثقة الطفل بنفسه ليس مهمة إضافية على جدول الأم أو الأب، بل هو أساس يُبنى عليه كل شيء لاحقًا: قدرته على اتخاذ القرارات، مواجهة الإحباط، تكوين العلاقات، وحتى رؤيته لنفسه في المستقبل.
وفي زمن كثرت فيه المقارنات وتعددت فيه مصادر التقييم، يبقى صوت الأهل هو الصوت الأصدق والأقوى في تشكيل هذه الثقة، أو في تقويضها دون قصد.
ثقة الطفل بنفسه تعني شعوره الداخلي بأنه قادر على التعامل مع التحديات، واتخاذ القرارات، والتعبير عن أفكاره ومشاعره دون خوف أو خجل.
وهي لا تُبنى فجأة، بل تتشكل من خلال تجاربه اليومية، وتفاعلاته مع من حوله، وطريقة تلقيه للدعم أو النقد.
تبدأ الثقة بالنفس بالتشكل في سنوات الطفل الأولى، عندما:
يُعد الوالدان العامل الأكثر تأثيرًا في بناء ثقة الطفل بنفسه. ومن أبرز الممارسات التي تساهم في ذلك:
مثل أن يختار ملابسه، أو يشارك في ترتيب غرفته، أو يُسمح له بتجربة أشياء جديدة حتى لو أخطأ.
بدلًا من المبالغة في المديح، يكفي أن يُقال له: "رأيت كيف اجتهدت!" أو "كنت شجاعًا عندما تحدثت أمام الصف".
دون مقاطعة أو تقليل من شأنه، فهذا يعلمه أن رأيه مهم وأنه موضع احترام.
فالمقارنة تولّد شعورًا بالنقص، حتى وإن كانت بحسن نية.
كالغضب أو الخوف أو الحزن، مع مساعدته على التعبير عنها بطريقة صحية.
من المهم التمييز بين الطفل الواثق من نفسه والطفل المتعالي. الثقة الحقيقية تنبع من شعور داخلي متزن، لا يحتاج إلى التقليل من الآخرين ليشعر بالقيمة. وهذا يتحقق عندما يتعلم الطفل احترام ذاته واحترام غيره في الوقت نفسه.
لا يمكننا "إجبار" الطفل على أن يثق بنفسه، لكننا نستطيع أن نُهيّئ له البيئة التي تسمح لهذا الشعور بالنمو تدريجيًا. كل كلمة دعم، وكل فرصة نعطيه فيها حرية المحاولة، وكل لحظة نُصغي له فيها، تُعد لبنة في بناء ثقة سترافقه مدى الحياة.