ليست كل الحواجز التي تضعها النساء حول قلوبهن دليلًا على قسوة أو جفاء. أحيانا، تكون هذه الحواجز آثارا لقصص لم تُروَ، ودموع كُتمت طويلًا، وخيبات تكررت حتى باتت الثقة نوعا من الترف.
فحين تخرج المرأة من علاقة سامة، لا تنتهي القصة بالرحيل فقط. فهناك حكاية أخرى تبدأ في داخلها، أكثر تعقيدا وعمقا من مجرد الفراق.
إنها حكاية الترميم، والحذر، وإعادة بناء ما تهدّم من ثقة ومشاعر. وفي هذه المرحلة، قد تبدو المرأة "منغلقة" أو "مترددة" في علاقاتها الجديدة.
لكنها في الواقع، لا تغلق الباب على الحب، بل تحاول فقط أن تحمي نفسها من الألم الذي خبرته ذات مرة.
العلاقة السامة لا تنتهي بانتهاء اللقاءات أو الكلمات القاسية. هي تزرع في النفس شكا خفيا، وتشوّه الصورة الذاتية، وتؤثر في طريقة استقبال الحب من جديد.
في مثل هذه العلاقات التي عاشتها سابقا، قد تُجبر المرأة على كبت مشاعرها، أو على إرضاء الطرف الآخر على حساب نفسها، أو على التعايش مع تلاعب عاطفي مزمن يجعلها تشك في قدرتها على التمييز بين الصواب والخطأ.
حين تنجو المرأة من هذا النمط، تكون قد استهلكت طاقتها في الدفاع المستمر، والتبرير، والتأقلم القاسي. لذلك، لا يمكن توقّع أن تدخل علاقة جديدة بالخفة أو الثقة أنفسهما.
حين تضع المرأة حواجز في العلاقة الجديدة، فإنها غالبا لا تفعل ذلك؛ لأنها لا ترغب بالارتباط، بل لأنها لا تزال في طور إعادة بناء ذاتها. هذه الحواجز قد تكون على شكل:
كل هذه السلوكيات ليست رفضا للطرف الآخر، بل انعكاس لنظام داخلي تعلّم كيف ينجو في ظروف سابقة مؤذية.
من منظور علم الأعصاب، الدماغ البشري لا ينسى الصدمات بسهولة. بل يطوّر آليات دفاعية تمنعه من التعرّض للأذى مجددا، حتى لو كانت هذه الآليات تمنعه أيضا من اختبار السعادة.
لذلك، تبدأ المرأة بتفسير بعض التصرفات من الشريك الجديد على أنها إشارات خطر، حتى لو لم تكن كذلك.
العملية هنا لا تتمحور حول "اللا ثقة" في الطرف الآخر، بل حول محاولة الجهاز العصبي حماية نفسه من إعادة تجربة الألم.
كثير من النساء يخرجن من العلاقة السامة أكثر استقلالية وقوة. لكن أحيانا، تتغلّف هذه القوة بطبقة من الحذر الزائد، وكأنها تقول ضمنيا: "لن أسمح لأحد بإيذائي مجددا، حتى لو كان هذا يعني أن أضع جدارا بيني وبين كل من يحاول الاقتراب."
هذا الحذر لا يعني أن المرأة فقدت الإيمان بالحب، بل أنها لم تعد تؤمن بالحب غير المشروط بالاحترام والوعي والتواصل الآمن.
لا تحتاج هذه المرأة إلى تسرّع، أو ضغط لتتغيّر، أو إلى اتهامها بأنها معقّدة. ما تحتاجه فعلا هو:
الحب الحقيقي لا يُفرض ولا يُسرق، بل يُبنى بصبر بين شخصَين يدركان أن لكلّ منهما ماضيه، وتعرجاته، ومعاركه الخاصة. وإذا كانت المرأة التي أمامك تضع حواجز، فربما عليك أن تسأل نفسك:
"هل أراها كما هي، أم كما أريدها أن تكون؟"
فوراء الحواجز لا تعيش امرأة باردة أو غير مهتمة، بل روح أنهكتها المعارك، وتحتاج فقط إلى من يقترب منها من دون أن يُشعل فيها خوفا جديدا. وفي النهاية فإن تلك الحواجز ليست جدرانا، هي فقط إشارات تقول: اقترب بلطف.