في لحظات الضغط اليومي المتلاحقة، وبين المسؤوليات المتزاحمة والمهام المنسية، لا تحتاج الأم إلا لشرارة صغيرة لتشتعل نيران الغضب.
حذاء مفقود، مشادة بين الإخوة، أو مطالبة مفاجئة بشراء مستلزمات مدرسية.
وتجدين نفسك تصرخين، رغم أنك في قرارة نفسك لا تريدين ذلك. لماذا يصعب علينا أحياناً ضبط أعصابنا؟ ولماذا نشعر لاحقاً بالندم والخجل من ردة فعلنا؟
ما لا تعرفه كثير من الأمهات أن هذه اللحظات الانفعالية لا ترتبط فقط بسلوك الطفل، بل بجذور أعمق تعود إلى طفولتنا نحن.
ما يُعرف بـ"أشباح الطفولة"، حيث تستفزنا تصرفات أطفالنا وتعيد إلى السطح مشاعر مكبوتة، وأحياناً جروحاً لم تندمل من تجاربنا الأولى في الحياة.
تخيلي أن شخصاً بالغاً، تعتمدين عليه كلياً، يصرخ في وجهك وأنت لا تملكين المهرب. هذه التجربة التي تمرّ على الأطفال تكون مضاعفة الأثر ألف مرة.
غضب الأم أو الأب لا يُفزع الطفل فقط، بل يهدد شعوره بالأمان والانتماء. وتكرار هذا النمط من التفاعل قد يجعل الطفل يتبلد تجاه مشاعرك، ويصبح أقل رغبة في إرضائك أو الإصغاء إليك.
إليك خطوات قد تساعدك على ضبط أعصابك بشكل أكبر:
ما يُشعل الغضب ليس السلوك نفسه، بل الأفكار التي نربطها به. فمثلاً، حين يضرب طفلك أخاه، قد تربطين ذلك مباشرة بخوفك من أن يفشل أخلاقياً أو أنك فشلت في تربيته. هذا الانحدار العاطفي السريع لا يمنحك وقتاً للتفكير.
عندما تشعرين بأنك على وشك الانفجار، توقفي فوراً. خذي نفساً عميقاً، أو قولي لنفسك "هذا ليس طارئاً".
امنحي نفسك استراحة قصيرة بعيداً عن الطفل إن أمكن، حتى تهدأ الأعصاب وتعود قدرتك على التفكير العقلاني.
رددي عبارات مثل: "هو بحاجة لحبي، لا لغضبي"، أو "سأتصرف من منطلق نضجي، لا انفعالي". هذه العبارات تُعيد برمجة استجابتك العصبية وتساعدك على التهدئة.
الغضب ليس شعوراً خاطئاً، بل هو ناقوس يلفت نظرك إلى أمر يجب مراجعته. ربما أنتِ مرهقة، أو لا تشعرين بالدعم من شريكك، أو هناك أمور أخرى تُشعرك بالضغط. تقبّلي هذه المشاعر واستخرجي ما تحتها من حزن أو خوف، وستتراجع حدة الغضب تلقائياً.
القرارات السريعة وأنتِ غاضبة قد تكون غير منصفة أو غير قابلة للتطبيق. بدلاً من ذلك، قولي لطفلك: "أنا منزعجة الآن وسنناقش الأمر لاحقاً"، ثم عودي إليه بهدوء، وضعي حدوداً واضحة بثقة واحترام.
أطفالك يتعلمون من طريقة تعبيرك عن مشاعرك. حين يرونك تسيطرين على انفعالك، وتواجهين غضبك بأساليب متزنة، سيكتسبون مهارات التعامل مع مشاعرهم بدورهم.
أثبتت الدراسات أن الضرب أو الصفع، حتى لو كانا خفيفين، يتركان آثاراً نفسية طويلة الأمد على الأطفال. الضرب لا يُعلّم، بل يُربك ويُفزع، ويزرع مشاعر الذنب والبعد العاطفي.
في وقت هادئ، تحدثي مع أطفالك عن الطرق الصحية للتعامل مع الغضب. اتفقوا على بدائل مثل التنفس العميق، الابتعاد لعدة دقائق، أو استخدام كلمات لطلب المساحة. وعلّقي هذه القائمة في مكان واضح كمرجع جماعي.
ليس كل تصرف يستدعي تدخلك. بعض الأمور يمكن تجاهلها أو تأجيلها. التركيز على العلاقة الإيجابية مع الطفل أهم من الفوز بلحظة انضباط.
إذا وجدتِ نفسك تتكرر فيها نوبات الغضب أو يصعب عليكِ السيطرة عليها، فالتواصل مع متخصص نفسي أو مجموعات دعم الأمهات قد يفتح لكِ أبواباً جديدة للتفهم والشفاء.
الغضب ليس عيباً، بل إشارة إلى شيء أعمق يحتاج إلى انتباهك ورعايتك. التعامل الواعي مع هذه المشاعر لا يحمي أطفالك فقط، بل يُصلح فيكِ أنتِ أيضاً طبقات قديمة من الأذى لم تأخذي وقتاً للتعامل معها من قبل.
وفي كل مرة تضبطين فيها نفسك وتختارين التهدئة، أنتِ تزرعين في أطفالك درساً عظيماً عن النضج والحب الحقيقي.