في كل بيت تقريبًا، تتكرر تلك اللحظة المربكة: طاولة مرتبة، وجبة محضّرة بعناية، وطفل صغير يرفض أن يفتح فمه. ومهما فعلت الأم من مساومات أو توسلات، فلن يستسلم إلى أن تشعر الأم بالإحباط وتبدأ في التساؤل: لماذا لا يأكل طفلي؟
قد يبدو رفض الطعام سلوكًا بسيطًا وعابرًا، لكن بالنسبة لكثير من الأمهات فإنه مُقلق جدا، خاصة إذا تحوّل إلى عادة يومية تُعكّر أجواء الأسرة وتُقلق الأهل على صحة طفلهم ونموه.
فمشكلات الأكل لدى الأطفال لا تتعلق فقط بما هو في الطبق، بل بما يدور في دواخلهم أيضًا.
ورغم أن هذه المشكلة شائعة في المراحل الأولى من عمر الطفل، فإن طريقة التعامل معها هي ما يحدد إن كانت ستنتهي بسلام، أم ستتفاقم لتصبح مصدر توتر يومي حتى بعدما يكبر الطفل.
في هذا المقال، نستعرض معًا الأسباب النفسية الكامنة خلف سلوك "رفض الطعام"، ونسلّط الضوء على استراتيجيات تربوية ونفسية تساعدكِ على التعامل مع ذلك بهدوء وثقة، بعيدًا عن التهديد أو الإلحاح. لأن الطعام يجب أن يكون تجربة إيجابية... لا معركة تُخاض يوميًا.
رفض الطعام.. سلوك أم مشكلة صحية؟
في معظم الحالات، لا يكون رفض الطفل للطعام علامة على مشكلة طبية، بل سلوك طبيعي يحدث في مرحلة النمو.
فالأطفال في سنواتهم الأولى يميلون إلى الاستقلالية، ويعبّرون عنها أحيانًا من خلال التحكم بالطعام. هذه المقاومة قد تكون وسيلتهم لإظهار رأيهم أو رغبتهم، أو ببساطة التعبير عن عدم شعورهم بالجوع في تلك اللحظة.
متى يصبح القلق مبررًا؟
إذا استمر فقدان شهية الطفل لفترة طويلة، مصحوبًا بنقص الوزن، أو التراجع في النمو، أو علامات مثل التعب المستمر أو شحوب الوجه، هنا يجدر بكِ استشارة طبيب مختص لاستبعاد أي أسباب صحية كامنة مثل فقر الدم أو مشكلات الجهاز الهضمي.
عوامل نفسية تؤثر على شهية الطفل
- الضغط الزائد على الطفل أثناء الوجبات يجعله يربط الطعام بالتوتر.
- بيئة الأكل السلبية، مثل الجدال على الطاولة، تقلل من رغبة الطفل في تناول الطعام.
- مقارنة الطفل بإخوته أو بأطفال آخرين قد تؤثر على ثقته بنفسه وتزيد من الرفض.
- التجارب السابقة المؤلمة، مثل الغص أو القيء، قد تترك أثراً نفسياً يمنع الطفل من الأكل بثقة.
استراتيجيات نفسية فعالة
إليك بعض الاستراتيجيات التي قد تساعد طفلك على تقبل الطعام أكثر، وعدم التمسك برفضه لفترة طويلة:
التقبل بدلًا من الإلحاح
تقبّلي فكرة أن شهية الطفل تتغير من يوم لآخر، ولا تجبريه على الأكل.
روتين واضح للوجبات
تقديم الطعام في مواعيد ثابتة يساعد الجسم والعقل على التهيؤ.
جعل وقت الطعام إيجابيًا
احرصي على أن يكون الجو هادئًا، دون تهديد أو مكافآت مشروطة بالأكل.
إشراك الطفل في اختيار الطعام
دعيه يساعدك في تحضير وجبة بسيطة، سيزيد ذلك من حماسه لتجربتها.
تقديم كميات صغيرة ومتنوعة
التنوع والألوان تحفّزان الفضول والتجربة.
تجنّب الأجهزة أثناء الطعام
الانتباه الكامل للطعام يساعد على تفاعل الطفل مع مذاقه وقوامه.
تذكري...
رفض الطفل للطعام لا يعني بالضرورة أنكِ تفعلين شيئًا خاطئًا. بل قد يكون مجرد مرحلة طبيعية من تطوره. الأهم أن تخلقي بيئة داعمة وآمنة، تشعره أن الطعام ليس معركة، بل فرصة للاكتشاف.
