في لحظات التعب اليومي، بين واجبات العمل ومتطلبات البيت، قد تتفاجئين بتصرّف من طفلك يُربكك أو يُثير انزعاجك، فتسارعين إلى رد فعل تلقائي: "يجب أن أُعدّل هذا السلوك فورًا"، أو "هذا غير مقبول، لا بد من تقويم".
ولكن، هل كل سلوك غير مريح يستدعي تصحيحًا؟ أم أن بعضه يحتاج فقط إلى تقبّل، واحتواء، وفهم؟
هذا السؤال رغم بساطته يحمل بين طيّاته تحولًا جذريًا في مفهوم التربية: ليس كل سلوك يحتاج إلى تقويم، أحيانًا، الطفل يحتاج فقط إلى من يفهمه، لا من يحاول تغييره.
بعض السلوكات الطفولية تُربك الأهل لأنهم يظنون أن وراءها سوء نية أو تعمّدًا للإزعاج، في حين أنها مجرد استجابات لنمو نفسي طبيعي أو لاحتياجات غير مُلباة.
طفلك الذي يُكرر الأسئلة أو يُجادل كثيرًا، قد لا يكون "عنيدًا"، بل يملك عقلًا فضوليًا يحتاج إلى مساحة، الطفلة التي ترفض الذهاب إلى الحضانة كل صباح ليست "كسولة"، بل ربما تعاني من قلق الانفصال أو تحتاج وقتًا أطول للتكيّف.
عندما نُطلق الأحكام سريعًا، نفوّت فرصة لفهم المعنى الأعمق خلف التصرف، وهنا يبدأ الخلل: نتعامل مع "النتيجة" بدلًا من الغوص في "السبب".
التقبّل لا يعني تجاهل الخطأ أو التهاون في التربية، بعض السلوكات تحتاج إلى تصحيح واضح وثابت، خصوصًا إذا كانت:
لكن حتى في هذه الحالات، يأتي التقويم بعد فهم الخلفية العاطفية للسلوك، وليس قبله.
ابدئي دائمًا بسؤال بسيط: هل طفلي يمرّ بشعور ما يحتاج إلى حضن أم أنه يتجاهل حدودًا تحتاج إلى حزم؟ وحتى عندما تحتاجين إلى التصحيح، لا تنسي أن التوجيه يُقدَّم بلغة الحب، لا بلغة اللوم.
تقبُّل الطفل هو اعتراف بإنسانيته، بحاجته إلى مساحة ليخطئ ويتعلم، أما تقويمه، فهو دعوة لأن يصبح نسخة أفضل من نفسه، لا نسخة مطابقة لتوقّعاتنا.
حين نبدأ بالتفهّم قبل التوجيه، نمنح أبناءنا الأمان النفسي الذي يحتاجونه لينضجوا بثقة، ولنتذكّر دائمًا: التربية ليست معركة للسيطرة، بل علاقة للنمو المشترك.