ليس من السهل على الوالدين مشاهدة طفلهم يعاني وهو يحاول إتقان مهمة بسيطة كربط الحذاء أو فتح علبة مغلقة.
كثيرون يقعون في الفخ ذاته: التدخّل السريع لحل المشكلة وإنقاذ الموقف.
لكن هذا التدخّل، وإن بدا فعلاً من الحب والرعاية، قد يضعف لدى الطفل واحدة من أهم المهارات الحياتية: المثابرة.
تُظهر الأبحاث الحديثة أن الأطفال يصبحون أقل إصرارًا عندما يقوم البالغون بأداء المهام عنهم.
في إحدى الدراسات، تبيّن أن الأطفال الذين تدخل آباؤهم في حل الألغاز بدلاً منهم، كانوا أقل مثابرة ليس فقط في نفس النشاط، بل في مهام أخرى لاحقة لا علاقة لها بالألغاز.
هذا يشير إلى أن الرسالة الخفية التي يتلقاها الطفل هي: "أنت لا تستطيع، لذلك سأقوم أنا بذلك". وبهذا، يتعلّم الطفل أنه ليس من الضروري أن يحاول أو يثابر، طالما أن الكبار سيتدخلون.
في دراسة أخرى، وُضع الأطفال أمام صندوق مغلق بلصق خفيّ، وطُلب منهم محاولة فتحه للحصول على لعبة بداخله.
الأطفال الذين شاهدوا الكبار يحاولون بجهد كبير ثم ينجحون، أظهروا إصرارًا أعلى بكثير من أولئك الذين رأوا الكبار يفشلون أو ينسحبون من المحاولة.
هذه النتائج تُظهر أن القدوة تلعب دورًا محوريًا: حين يرى الطفل شخصًا بالغًا يبذل جهدًا حقيقيًا ويصل إلى النتيجة، يتعلم أن النجاح ممكن رغم الصعوبات، وأن الإصرار مجزٍ في النهاية.
كأهل وكمرآة أولى لتصرفات أطفالنا، من واجبنا غرس قيم المثابرة في أطفالنا عن طريق:
قد تكون مشاهدة طفلك يربط حذاءه للمرة الخامسة تجربة مرهقة، لكن مقاومة الرغبة في التدخل تعلّمه شيئًا أثمن بكثير من الحذاء المربوط بإتقان. إنها فرصة لتعلّم الثقة بالنفس والاعتماد على الذات.
الأطفال يتأثرون بسلوك الكبار أكثر من أقوالهم. حين يشاهدونك تحاول مرارًا وتنجح، أو تتحدث بإيجابية عن أهمية عدم الاستسلام، فإن هذه الرسائل تتسلل إلى لاوعيهم وتشكّل جزءًا من شخصياتهم.
قولك "عليك أن تحاول ولا تيأس" لا يكفي إن لم يرَ الطفل هذا المبدأ مطبقًا في حياتك اليومية. في دراسة، الأطفال الذين سمعوا البالغين يتحدثون عن أهمية المثابرة، ثم شاهدوا هؤلاء البالغين ينجحون فعلًا، أظهروا مستويات أعلى من الإصرار.
قد يتطلّب الأمر وقتًا أطول في الصباح ليجهّز الطفل نفسه بنفسه، أو ليحل واجبه دون مساعدة، لكنه استثمار طويل الأمد في بناء شخصيته وقوته النفسية.
في النهاية، الهدف ليس أن يصبح أطفالنا مثاليين في كل شيء، بل أن يثقوا بأنفسهم ويؤمنوا أن المحاولة تستحق. المثابرة لا تُعلّم عبر المحاضرات، بل تُنقل من خلال المواقف اليومية، بالصبر، وبأن نؤمن بقدرتهم حتى قبل أن يؤمنوا هم بها.