في لحظات العجز أو الحيرة مع أطفالنا، كثيرًا ما نلجأ إلى مخزوننا من النصائح التربوية الجاهزة، نرددها بحسن نية وبنبرة مُتعبة، آملين أن تُحدث الفرق هذه المرة.
لكن هل فكرتِ يوما أن بعض تلك النصائح التي نكررها ربما لم تنجح معنا أصلًا؟ وأن ما نمرره لأطفالنا قد يكون تكرارًا لدائرة الإحباط، لا حلاً لها؟
أن تقولي لطفلك "عد للعشرة قبل أن تغضب" بينما لم تنجحي يومًا في كبح غضبك، ليس فقط تناقضًا بسيطًا، بل رسالة ضمنية: "افعل ما لا أستطيع فعله". هذا لا يصنع الوعي، بل يشعر الطفل بالارتباك أو بالذنب.
كذلك حين نردد عبارات مثل "عليك أن تكون شجاعًا" أو "لا تخف"، ونحن نرتعد من كل تجربة جديدة في حياتنا. الأطفال يلتقطون الحقيقة من خلف الكلمات، ويتعلمون من النموذج أكثر مما يتعلمون من الكلام.
أحيانًا بدافع الأمل، وأحيانًا بدافع العجز. نتمسك بتلك العبارات كطوق نجاة، أو لأننا نشأنا على سماعها وظننا أنها صحيحة. التكرار يمنحنا شعورًا مؤقتًا بالتحكم، لكنه قد يُعزز فقدان الثقة لدى الطفل فينا وفي نفسه.
فحين يرى أن النصائح لا تجدي، يبدأ بالتشكيك في قيمتها، وربما في نوايانا أيضاً.
ليس الهدف إسكات صوتنا التربوي، بل مراجعته بصدق. هل أقول ما أؤمن به فعلاً؟ هل جرّبت هذه النصيحة بنفسي وشعرت أنها مفيدة؟ هل أكررها لأنني خائفة أم لأنني واثقة؟
حين يكون التوجيه صادقًا ومجربًا ومتواضعًا، يصل أعمق. ويمكن أن نقول أحيانًا: "أعلم أن هذا صعب، حتى أنا أتعلم كيف أهدأ عند الغضب، دعنا نحاول معًا". مثل هذه العبارات تبني الجسور بدلاً من أن تضع الحواجز. إليك بعض الخطوات التي ستساعدك:
قبل أن تبحثي في كتب التربية عن الجملة المثالية، اسألي نفسك: ما الذي احتجتُ سماعه وأنا صغيرة؟ ما الذي تمنيت لو قالته لي أمي أو أبي؟ الإجابة الحقيقية ستكون غالبًا أكثر تأثيرًا من أي نصيحة جاهزة.
هل هناك عبارات تقولينها دون وعي؟ سجّلي ما ترددينه في لحظات التوتر. ربما تجدين أنك تكررين كلمات لا تعكسك، أو أنك تحاولين تصحيح طفلك بدلاً من مواساته.
أحيانًا، لا يحتاج الطفل إلى نصيحة بل إلى احتواء. إلى لمسة على الكتف أو همسة تقول: "أنا هنا، أفهمك". في التربية، الصمت المحبب قد يعلّم أكثر من آلاف الكلمات.
في كل مرة تهمّين فيها بتكرار نصيحة قديمة، توقّفي لحظة واسألي: هل تعني شيئًا لي حقًا؟
حين يكون صوتك نابعًا من التجربة والصدق، سيصل لطفلك بطريقة لا تنسى.
فالتربية ليست تكرارًا لما سمعناه، بل إعادة تشكيل لما عشناه بشجاعة ووعي ومحبة.