تواجه الكثير من الأمهات لحظة مفصلية ومؤلمة في رحلة الأمومة، حين يشعرن بأن ابنهن لم يعد يحتاجهن كما في السابق.
تلك اللحظة التي تتسلل فيها الصدمة ببطء إلى القلب، لتخلق شعوراً بالغربة وسط بيت مليء بالحب والذكريات. ماذا تعني هذه الصدمة؟ وكيف يمكن للأم أن تتعامل معها بهدوء ووعي؟
من الطبيعي أن يمر الطفل بمراحل نمو تدفعه للابتعاد تدريجياً عن والدته، سواء كان ذلك بالاعتماد على نفسه أكثر، أو البحث عن الاستقلالية، أو التوجه نحو أقرانه.
هذه الخطوات جزء من تطوره النفسي والاجتماعي، لكنها ليست دائماً سهلة على الأم التي تربطها علاقة عميقة بالطفل منذ لحظة ميلاده.
الصدمة التي تشعر بها الأم ليست فقط في التغير الظاهر، بل في الشعور بأنها فقدت جزءاً من دورها الأساسي، وبأن الطفل بات يطلب أقل، أو حتى أقل تعبيراً عن حاجته لها. هذا الشعور يمكن أن يكون مؤلماً لأنه يُشعر الأم بأنها "غير مرغوبة" أو "مرفوضة" بطريقة ما، رغم كل ما قدمته من عطاء وحب.
ينبع الانفصال الأولي في علاقة الأم والطفل من حاجات طبيعية ومتغيرة. فالطفل، مع نموه، يسعى لبناء هويته الخاصة، ليكتشف العالم من حوله، ويعتمد على نفسه في أمور بسيطة، وهذا مؤشر صحي لنموه السليم.
في الوقت نفسه، هذا الانفصال قد يترافق مع تغير في طرق التواصل، حيث يقل الحديث أو الاحتضان، وتزداد الاحتياجات للخصوصية. كل هذه التغيرات تتطلب من الأم تقبل مرحلة جديدة، ليست أقل أهمية، بل مختلفة في طبيعتها.
إليك خطوات تساعدك على الانفصال الواعي والهادئ عن طفلك، بعيدا عن التصرفات التي تبعده عنك أكثر:
فهم أن هذه المرحلة ضرورية لنمو الطفل وانفصاله الصحي عنها. كلما قبِلَت الأم هذه الحقيقة، تمكنت من التكيف بشكل أفضل.
الدور الأمومي لا ينتهي بانفصال الطفل، بل يتغير. الأم تصبح داعمة أكثر، مستشارة، وصديقة، وهذا يعزز العلاقة بعمق جديد.
البحث عن طرق تواصل تناسب المرحلة الجديدة، مثل المحادثات المفتوحة، المشاركة في النشاطات التي يحبها الطفل، واحترام مساحته الخاصة.
أحياناً تغرق الأم في حزن الفقدان دون أن تعتني بنفسها. لذلك، من المهم تخصيص وقت للنفس، لاستعادة النشاط والطاقة.
التحدث مع أمهات أخريات أو مختصين نفسيين يمكن أن يساعد في تجاوز المشاعر الصعبة ويُمدّ الأم بالقوة.
قد تبدو لحظة "ابني لا يحتاجني كما كان" وكأنها خسارة، لكنها في الحقيقة بداية تحول بالغ الأهمية في علاقة الأم بابنها. فهي فرصة لإعادة بناء العلاقة على أساس من النضج والاحترام المتبادل، تجعل الروابط أكثر ثباتاً وعمقاً.
في نهاية المطاف، الأم التي تعيش هذه الصدمة وتتعامل معها بوعي وصبر، ستكتشف أن الحب لا ينتهي بانفصال، بل يتجدد ويتوسع في أشكال جديدة، تؤهل الطفل ليصبح إنساناً مستقلاً وقوياً، وتحفظ للأم مكانها الثمين في قلبه مدى الحياة.