في العلاقات العاطفية العميقة، غالبًا ما ينشغل الطرفان ببعضهما إلى حدّ قد يطمس الحدود الشخصية.
ومع الوقت، قد يجد أحد الشريكين نفسه وقد تخلى تدريجيًا عن اهتماماته، أصدقائه، وحتى صوته الداخلي، في محاولة للحفاظ على التناغم.
لكن، هل الحب يعني أن نذوب في الآخر؟ أم أن العلاقة الصحية تحتاج إلى مساحة للذات كما تحتاج إلى قرب الشريك؟
الرغبة في التقارب العاطفي أمر طبيعي في أي علاقة، لكن الخطر يكمن حين يصبح هذا التقارب ذوبانًا كاملاً.
بعض الأشخاص يتخلون عن هوياتهم الخاصة دون أن يشعروا: يبدأون بالتحدث بلغة الشريك، يعتمدون عليه نفسيًا في كل شيء، ويُهملون أنفسهم تحت مسمى “التضحية”.
هذا النمط قد يبدو نابعًا من الحب، لكنه في الحقيقة يؤسس لعلاقة غير متوازنة، قد تخلق مشاعر من التبعية، وفقدان القيمة الذاتية على المدى الطويل.
تؤكد أبحاث نفسية عديدة، منها دراسة نُشرت في مجلة Journal of Personality and Social Psychology، أن الحفاظ على الهوية الفردية داخل العلاقة هو مؤشر على العلاقة الصحية وطول أمدها. الشركاء الذين يمتلكون اهتمامات وأنشطة وهويات مستقلة يكونون أكثر رضاً عاطفياً، وأقل عرضة للانهيارات العاطفية عند حدوث الخلافات.
الحفاظ على الذات لا يعني الابتعاد أو بناء الحواجز، بل يعني وجود "أنا" واضحة في مقابل "نحن". إليك بعض النقاط العملية:
الاستمرار في ممارسة هواياتك، ولقاء أصدقائك، وتطوير نفسك مهنيًا، يساعدك على البقاء متوازنًا داخل العلاقة.
تعلّم أن تقول "لا" عندما تحتاج إلى وقت لنفسك، دون أن تشعر بالذنب أو الخوف من خسارة الشريك.
لا تتوقع من العلاقة أن تملأ كل جوانب حياتك. الشريك ليس مسؤولًا عن سعادتك الكاملة، بل هو رفيق في الرحلة، لا محور الكون.
العلاقات المتوازنة تمنح الطرفين حرية الحركة والتطور والنمو الفردي، دون ضغط أو رقابة.
إذا لاحظت أنك تخليت عن أشياء كنت تحبها، أو لم تعد تملك قراراتك، أو أنك تتحدث بأسلوب لا يشبهك… توقّف. هذه إشارات تدل على أنك تبتعد عن ذاتك.
قد يكون الوقت مناسبًا لمراجعة العلاقة، وربما الحديث الصريح مع الشريك عن الحاجة لإعادة التوازن.
في النهاية، الحب الحقيقي لا يُلغيك، بل يضيف إليك. لا تنسَ أن الشخص الذي أحبّك في البداية، أحبّك لأنك كنت أنت، بهويتك، وأفكارك، ونقاط قوتك وضعفك. لا تخف من أن تبقى على طبيعتك، فالعلاقات الأقوى هي التي تسمح لك أن تحب دون أن تُفقدك نفسك.