في بداية أي علاقة، نحمل قلوبنا كما لو كانت قصيدة... ننتظر مفاجآت رومانسية، كلمات تذيب الجليد، نظرات لا تُنسى.
لكن حين تبدأ الحياة تأخذ مجراها الطبيعي، وننزل من سماء المشاعر إلى أرض الواقع، يبدأ السؤال الصعب في الظهور:
هل تحتاج العلاقة إلى أن نُخفّض توقعاتنا حتى تدوم؟
لا مشكلة في الرومانسية، بل إنها من أجمل ما في الحب. لكن الخطر يبدأ حين تتحوّل إلى معيار دائم يجب أن يتحقق في كل لحظة. فنتوقع مفاجآت مستمرة، كلمات حب لا تنقطع، ومشاعر تشبه البدايات… طوال الوقت.
وعندما لا تحدث هذه الأمور، تبدأ خيبة الأمل. لا لأن الطرف الآخر تغيّر بالضرورة، بل لأننا وضعناه في خانة المثالية، وأردناه كما في خيالنا لا كما هو في الواقع.
بعضنا يهرب من خيبات الحب عبر الواقعية الزائدة. لا يريد أن يتوقّع شيئًا… فلا يُصاب بشيء. لكنه بذلك يُغلق الباب على كل حميمية، ويُطفئ كل احتمالات الاندهاش.
الواقعية الصحية في الحب لا تعني تجاهل المشاعر أو إنكار الرغبات، بل تعني فهم الحدود، والتعامل مع الآخر كإنسان له تقلبات، وليس كمصدر دائم للرضا والسعادة.
لا تكمن المشكلة في "وجود" التوقعات، بل في نوعيتها وثباتها: حين نتوقع أن يفهمنا من نحب دون أن نشرح، أو أن يقدّم أكثر مما يستطيع دائمًا، أو أن يكون في مزاج جيد بمجرد أن نحتاجه… نحن نربط الحب بشروط غير واقعية. ثم نلومه حين يفشل.
ربما السؤال الأدق هو: هل الحب يحتاج إلى توقعات أكثر نضجًا؟ فالحب لا يستمر بالتقشف العاطفي، ولا بالتوقعات الوردية فقط. بل بالتوازن. نتوقع الاحترام، لا الكمال. ننتظر الدعم، لا الحلول السحرية. ونأمل في القرب، دون أن نكتم أنفاس الطرف الآخر.
الحب يحتاج إلى مساحة ليتنفس… وهذه لا تأتي إلا عندما نخفف من عبء التوقعات المبالغ فيها.
نحتاج في علاقتنا العاطفية إلى أن نحمل قليلًا من الحلم، وكثيرًا من الوعي. أن نُبقي على الدفء، دون أن نحترق في خيالاتنا.
فأجمل العلاقات ليست تلك التي تحقق كل التوقعات، بل التي تتخطاها بصدق وتفاهم وتقبّل.
ربما لن يُشبه الحب ما شاهدناه في الأفلام أو قرأناه في الروايات. لكنه في الواقع قد يكون أجمل… فقط إن فهمنا أن الرومانسية ليست نقيض الواقعية، بل إنها جزء منها.
وأن الحب لا يفشل لأنه بلا مشاعر، بل لأنه بلا تفاهم، أو مثقل بتوقعات لا تُطاق.