في لحظة ما، قد تجدين قلبك معلقًا بشخص يشدّك إليه بصمته بقدر ما يجذبك بكلماته القليلة.
قد يبادلك النظرات، يقترب منك، ثم ينسحب دون تفسير. وربما يغمرك بالاهتمام في يوم، ويتجاهلك تمامًا في اليوم التالي. حينها، يبدأ السؤال المؤلم بالظهور في ذهنك: هل يحبني؟ أم أنه ببساطة... غير جاهز عاطفيًا؟
كثيرون يمرّون بمرحلة يُعرف فيها الطرف الآخر بأنه غير جاهز للدخول في علاقة مستقرة، إما لأنه خرج مؤخرًا من تجربة مؤلمة، أو يعاني من صعوبات نفسية لم يتجاوزها بعد، أو ببساطة لم يتصالح بعد مع فكرة الالتزام والمشاركة العاطفية العميقة.
وهنا يبدأ التحدي الحقيقي: هل تستمرين في علاقة لا تعرفين إلى أين تقودك؟ أم تنسحبين حفاظًا على كرامتك ووقتك ومشاعرك؟
من المهم أولًا التمييز بين التردد الطبيعي في بداية أي علاقة، وبين علامات واضحة تدل على أن الشخص غير قادر في هذه المرحلة على تقديم مشاعر ناضجة ومستقرة. من أبرز هذه العلامات:
الحب لا يكون دائمًا عقلانيًا. أحيانًا نتمسك بعلاقة فيها ألم لأننا نحب صورة الشخص، أو نؤمن بإمكانياته، أو نراه كما يمكن أن يكون لا كما هو الآن. وأحيانًا أخرى، نكون نحن أنفسنا غير جاهزين للفقد، فنفضّل الانتظار بدلًا من مواجهة الفراغ العاطفي.
لكن السؤال الجوهري هنا هو: ما الذي تخسرينه مقابل هذا الانتظار؟
الحب لا يكفي لبناء علاقة متوازنة. النضج العاطفي أساسي ليستطيع الشريكان فهم بعضهما، وتحمّل مشاعر الغضب، والخوف، والغيرة، واتخاذ قرارات مشتركة. الشخص غير الجاهز عاطفيًا لا يستطيع تقديم هذا النوع من العلاقة حتى لو كان يحمل لك مشاعر صادقة.
القرار إذًا لا يتعلق بمدى الحب الموجود، بل بمدى النضج المتاح. فأن تحبي شخصًا لا يعني بالضرورة أن تبقي معه بأي ثمن، بل أن تسألي نفسك:
هل هذه العلاقة تنميني أم تستهلكني؟ هل تمنحني الأمان أم تجعلني في حالة انتظار دائم؟
إذا كنت تجدين نفسك دومًا في موقع المبررة، أو المربية العاطفية، أو المنتظرة لتغيير لا يأتي، فربما حان الوقت لتراجعي المعادلة كلها.
الانسحاب لا يعني التخلي، بل احترام الذات. أحيانًا، لا يحتاج الشخص غير الجاهز إلى من يبقى، بل إلى من يرحل ليعرف كم عليه أن ينضج، وكم خسر حين لم يكن مستعدًا.
الحب شعور نبيل، لكن العلاقات لا تُبنى فقط على النبل، بل على الاستعداد الحقيقي للمشاركة والاحتواء والنمو المشترك. وإن كنت تحبين شخصًا غير جاهز، فتذكري أن دورك ليس أن تنقذيه، بل أن تنقذي نفسك من علاقة غير متكافئة.
فالقلب الذي يمنح كثيرًا دون أن يُستقبل، يحتاج أحيانًا إلى التوقف... كي لا يفرغ تمامًا.