قد نظن أن الحاجة إلى التطمين أمرٌ بسيط وواضح، لكن الحقيقة أن التعبير عن هذه الحاجة قد يكون من أعقد ما نواجهه في علاقاتنا العاطفية.
فالكثير من الأشخاص لا يدركون حتى أنهم يتوقون إلى الطمأنينة، أو ربما يشعرون بالخجل من الاعتراف بها، خوفاً من أن يُنظر إليهم على أنهم "ضعفاء" أو "غير ناضجين عاطفياً".
في العلاقات، قد يبدو أحد الطرفين قوياً وواثقاً، لكن خلف هذا المظهر قد يختبئ قلبٌ يبحث بصمت عن إشارات أمان، وكلمات تأكيد، وتصرّفات تطفئ قلقه العاطفي. فماذا لو كان شريكك من هؤلاء؟ كيف يمكنك أن تكتشفي حاجته إلى التطمين، حتى لو لم يُفصح عنها؟
الخطوة الأولى تبدأ منك؛ أن تكوني قادرة على ملاحظة العلامات غير المعلنة، تلك الإشارات التي قد تمر خفية لكنها تحمل الكثير من الدلالات. إليك أبرز هذه الإشارات، لتكوني أكثر وعيًا وحنكة في قراءة ما لا يُقال.
ليس هذا مجرد سؤال عابر، إن الأشخاص الذين يطرحون هذا السؤال لا يبالغون. قد يمر شريكك في مرحلة تشبه تجربة سابقة شهد فيها تغيّراً في العلاقات ويريد استدراك الأمر هذه المرّة قبل أن يتحول إلى انهيار.
إن بعض الأشخاص لا يتشاجرون أو يواجهون عند شعورهم بعدم الأمان، بل يتقوقعون داخل أنفسهم، فالصمت بالنسبة لهم وسيلة لحماية أنفسهم من الرفض أو خيبة الأمل. ليس الأمر رغبة في الحفاظ على مساحة شخصية، بل هو خوف متنكّر في صورة اللّامبالاة.
إن الاعتذار الزائد غالباً ما يعكس شخصاً تَعلّم أن الأخطاء تؤدي إلى الرفض. فإذا قام شريكك بالإعتذار بسبب إرسال رسالة متأخرة أو لطرحه سؤالاً بسيطاً، فقد يعني هذا أنه يتوقع منك ردة فعل غاضبة، ويصبح الاعتذار عبارة عن برّ أمان له.
إن أي تغيير بسيط قد يبدو له كبيراً، كأن تجيبي مثلاً بكلمة "جيّد" بدلًا من "أكيد حبيبي“، أو أن تتأخري في الرد، أو تعطيه قبلة سريعة؟ إن هذه التفاصيل الصغيرة قد تدفعه إلى القلق الشديد، ليس بسبب الفعل ذاته، بل لما يعنيه بالنسبة له. فهو يلتقط الإشارات العاطفية الدقيقة لأنه يحاول توقّع الأذى مسبقاً وتجنبه.
غالبًا ما تأتي الحاجة للطمأنينة في صورة أسئلة يومية مثل "هل أبدو أنيقاً؟" أو "هل كان ما قلته غبياً؟". هذه ليست مجرد تساؤلات سطحية، بل تقييمات عاطفية. فهو يريد أن يعرف ما إذا كان لا يزال محبوباً وجديراً في نظرك.
ليس لأنه لا يثق بك، بل لأن -تجاربه علمته ألا يثق بالاستقرار. ويظهر هذا في تكرار محاولات التواصل، والقلق من أي إشارات تدل على عدم الاهتمام. وقد يحاول دفعك بعيداً قبل أن تملكي الفرصة لإيذائه.
قد تكون هذه الكلمات بالنسبة لك جزءًا من الروتين، أما بالنسبة له، فهي تغذّي أمانه العاطفي. إذا كان يتوق لسماعها باستمرار، فهو يحاول ملء فجوة من الشك أو الخوف في داخله.
قد يقول شيئاً سلبياً أو استفزازياً مثل: ”لم تشتاقي إلي.“ ليس لأنه يؤمن بذلك، بل لاختبار ردّك.
مثل مكالمات ما قبل النوم أو الاتصالات الصباحية أو مشاهدة الأفلام أسبوعياً، تصبح هذه الطقوس دليلاً على أن علاقتكما ما زالت قوية.
قد يعاود السؤال، لاحقًا، عن الأمر نفسه حتى لو أكّدت له بأنك لست غاضبة مثلاً أو بأنك تحبينه. فهذا دليل على أن القلق العاطفي هو الذي يقوده.
إذا كنت مكتئبة، يصبح هو هادئاً فجأة، وإذا كنت غاضبة، يحاول مجاراتك في كل شيء. إن هذا التصرف اللّاواعي للمحافظة على التناغم العاطفي هو إجراء احترازي.
قد يسألك مثلاً ما إذا كنت تتحدثين مع أحدهم عن الموضوعات ذاتها. إن هذه المقارنات نابعة من الخوف من أن يتم استبدالهم.
قد تبدو الإيماءات الدرامية والمبالغ بها لطيفة، لكنها إذا تكررت كثيراً أو بدت غير متناسبة مع اللحظة، فقد تكون وسيلته ليطلب منك أن تبادليه ذلك وتأكّدي حبك.
حتى لو كانت تغييرات بسيطة مثل تأجيل مكالمة هاتفية، إن الأمر ليس متعلقًا بالخطة، بل بما ترمز له من تغير محتمل في استقرار العلاقة.
إن ركوب السيارة بصمت، على سبيل المثال، قد يجعله يظن أن هناك شيئاً سيئاً. فهو يربط الهدوء بالانسحاب العاطفي، وليس بالسكينة.
إذا لاحظت هذه العلامات في تصرفات الشخص الذي تحبينه، أو حتى في نفسك، فلا داعي للشعور بالخجل أو الإنكار، إن الطمأنينة ليست ضعفاً، إنها نداء للتواصل. وإن معرفة كيفية الإستجابة إلى هذا النداء بحنان واهتمام هو ما يعمق الثقة، ويجعل الحب يدوم.