في عالم تُقدَّر فيه الحريّة الفردية واحترام المساحة الشخصية، قد يبدو تقديم النصيحة غير المرغوب فيها تصرّفًا غير مرحّب به.
ومع ذلك، تمرّ لحظات نرى فيها من نحبهم يسلكون طريقًا يبدو محفوفًا بالمخاطر، أو يكررون أخطاء قد تؤذيهم على المدى الطويل. فهل نصمت؟ أم نسمح لأنفسنا بكسر حاجز الصمت، وإبداء الرأي حتى دون دعوة صريحة؟
الإجابة ليست بسيطة. فالتدخّل في حياة الآخرين، حتى بنية طيبة، يحتاج إلى وعي، ولباقة، وتقدير لتوقيت الكلام ومضمونه.
إليك ما يجب التفكير فيه قبل أن تقرر إن كان عليك قول ما لا يُقال.
بعض القرارات التي يتخذها أصدقاؤنا؛ من علاقات غير صحية، إلى تخلٍ عن فرص مهمة، أو حتى سلوكيات تضرّهم، لا يمكن تجاهلها ببساطة. في مثل هذه الحالات، قد يكون الصمت نوعًا من التخلي غير المباشر. فالصداقة الحقيقية لا تعني فقط الدعم، بل أيضًا تنبيه من نحبهم عندما يعجزون عن رؤية ما نراه بوضوح.
لكن الأهم من قول الحقيقة هو كيف نقولها. فالفارق بين النصيحة الرحيمة والتدخّل المؤذي غالبًا ما يكون في النبرة، والنية، واحترام الطرف الآخر.
حتى لو كنت ترى الأمور بوضوح، تذكّر أن لكل شخص روايته الخاصة وظروفه المعقّدة التي قد لا تُرى من الخارج. لذلك، تجنّب تقديم النصيحة وكأنك تملك الإجابة المطلقة. بدلًا من ذلك، استخدم أسئلة تُشجّع على التفكير، أو شارك وجهة نظرك بصيغة "هل فكّرت في كذا؟" أو "أنا لاحظت كذا وأحببت مشاركتك لأني أهتم".
ليس كل من تُسدي إليه نصيحة سيتقبّلها. بعض الأصدقاء قد يشعرون بالحرج، أو الدفاعية، أو حتى الغضب. وهذا طبيعي. تقديم النصيحة لا يعني فرضها. المهم أن يكون دافعك صادقًا، وأن تترك المجال للآخر أن يقرّر كيف يتعامل مع ما سمعه. أحيانًا تُرفض النصيحة في لحظتها، لكنها تبقى في البال وتثمر لاحقًا.
لا تتحدث في لحظة انفعال، ولا أمام الآخرين، ولا في منتصف مناسبة اجتماعية. المواضيع الحساسة تحتاج إلى خصوصية، وهدوء، ومناخ من الثقة. الأفضل أن تبدأ المحادثة من موقع اهتمام لا انتقاد، ومن موقف تعاطف لا حكم.
هناك خيط رفيع بين الصراحة والوقاحة. وبين أن تكون صديقًا صادقًا، أو شخصًا يتدخّل دون اعتبار. حاول أن توازن بين جرأتك في التعبير، ورهافة مشاعر الطرف الآخر. يمكنك قول الحقيقة دون أن تجرح، ودون أن تُشعر الآخر بأنه موضع تقييم أو تقويم.
أحيانًا نُبدي آراءنا بدافع الحرص، دون أن ننتبه إلى أننا أيضًا بحاجة لمن يُنبهنا لما لا نراه في أنفسنا. الصداقة الحقيقية تقوم على التبادل، لا على التفوّق. وحين تُقدّم نصيحة، كن منفتحًا لتقبّل نصيحة في المقابل.
التدخّل في حياة الأصدقاء قرار حسّاس. لكن هناك مواقف يتجاوز فيها الصمت حدود اللياقة، ويصبح شكلًا من أشكال الإهمال. إن كنت تحب شخصًا حقًا، لا تتردّد في قول ما يصعب قوله، شرط أن يكون دافعك هو المحبة، وأسلوبك هو اللطف، ونيّتك هي المساندة لا السيطرة.
قد لا تُقدَّر كلماتك في حينها، لكنها قد تكون المفتاح لتغيير طال انتظاره.