في اللحظة التي تضع فيها الأم مولودها بين ذراعيها، تنشأ رابطة فطرية يصعب وصفها بالكلمات.
هذا الارتباط العميق، الذي يعبّر عن أقصى درجات الحب والرعاية، قد يتحوّل أحياناً إلى تمسّك مفرط، خشية أن يفقد الطفل شعوره بالأمان إذا ما خطا خطوة بعيداً.
لكن الحقيقة التي يصعب الاعتراف بها أحياناً هي أن أحد أعظم أشكال الحب للأبناء هو القدرة على ترك مساحة لاستقلالهم، وأن الانفصال الصحي لا يعني الانفصال العاطفي، بل هو دليل على علاقة مبنية على الثقة والوعي.
الارتباط الآمن هو أن يشعر الطفل أن والديه موجودان فعلياً وعاطفياً عند الحاجة، وأنه يمكنه الاستكشاف والعودة وقتما يشاء.
أما الاعتماد المفرط، فينشأ حين يربى الطفل على أن وجوده العاطفي مربوط باستمرار بلصق جسدي أو تلبية دائمة لحاجاته دون تعليمه كيف يعبر عنها أو يديرها تدريجياً.
الفرق بين الاثنين هو أن الأول يخرج طفلاً واثقاً، والثاني يعلّق الطفل في خوف دائم من الانفصال.
غالباً ما يرتبط خوف الأمهات من استقلال أطفالهن بمخاوف شخصية غير مفحوصة: الخوف من فقدان الدور، من شعور الوحدة، أو من أن ينضج الطفل بسرعة ويبتعد.
أحياناً، يرتبط ذلك أيضاً بذاكرة الأم الطفولية نفسها، إذا ما نشأت في بيئة افتقدت فيها الأمان، فتجد نفسها تمنع الاستقلال عن غير وعي، خوفاً من تكرار الألم.
حين يذهب الطفل إلى المدرسة من دون دموع، أو يختار أن يلعب وحده في الحديقة بدلاً من البقاء في حضن أمه، فهذا لا يعني أنه لم يعد يحبها، بل يعني أن حبه تحوّل إلى شكل أكثر وعياً وثقة.
إن ترك مساحة للطفل لاكتشاف نفسه، واتخاذ قرارات بسيطة وحده، وتحمّل بعض الإحباطات، هو تدريب مبكر على الحياة، وعلى بناء شخصية مستقلة عاطفياً ونفسياً.
إليك بعض الإشارات التي تدل على أن العلاقة مع طفلك تسير نحو استقلال صحي:
لتتمكني من دعم طفلك في رحلة استقلاليته، اتبعي النصائح التالية:
اسمحي له منذ سن صغيرة باتخاذ قرارات بسيطة مثل اختيار ملابسه أو طعامه.
اجعليه يعرف أنك متاحة دائما، ولكن دون أن تفرضي نفسك.
إذا قال "لا"، لا تتعاملي معها على أنها تمرد، بل محاولة للتعبير عن الذات.
من الطبيعي أن تشعري بالحزن حين يبدأ بالاستقلال، لكن لا تجعلي هذا الحزن سبباً لمنعه.
الاستقلال ليس خيانة للرابطة، بل هو امتدادها الطبيعي. وكل خطوة يخطوها الطفل بعيداً، لا تعني أنه يترك أمه خلفه، بل يعني أنه يحمل قوتها داخله.
فالمسافة، حين تكون عن وعي، ليست جفاءً، بل حبّ متزن وناضج يسمح للطفل أن يكتشف العالم وهو يعرف تماماً طريق العودة.