في عالم سريع الإيقاع، حيث تتزاحم المهام وتتسابق اللحظات، بات من السهل أن نشعر وكأننا نركض بلا توقف. ومع تسارع كل شيء من حولنا، ننسى أحيانًا أن التباطؤ لا يعني الكسل، بل قد يكون المفتاح الحقيقي لاستعادة التوازن النفسي والجسدي.
نستيقظ على أصوات التنبيهات، ننتقل من مهمة إلى أخرى وكأننا في سباق لا خط نهاية له، لكن الحقيقة التي تُثبتها التجربة والدراسات النفسية، أن الإنسان لا يُزهر في العجلة، بل في الوعي.
إذ إن العقل لا ينتج أفكاره في الضغط، بل في الهدوء.
والجسد لا يشحن طاقته في الركض، بل في التوقّف المتعمّد، والإنصات لِما يدور بداخله.
فيما يأتي أربع نصائح مدروسة تساعدك على تهدئة وتيرة يومك، وخفض مستويات التوتر، واستعادة الشعور بالراحة والوضوح الذهني:
غالبًا ما نقع في فخ التقديرات غير الواقعية: "هذا الأمر لن يأخذ مني سوى 10 دقائق!" لكن الواقع يُثبت العكس. فمعظم المهام تستغرق ضِعف الوقت المتوقع على الأقل؛ ما يؤدي إلى التوتر والشعور بالضغط.
حاولي تغيير هذه المعادلة: إذا قدرتِ أن مهمة ما ستستغرق نصف ساعة، امنحي نفسك ساعة كاملة. بل قسّميها على يومين إن لزم الأمر. قد يبدو الأمر بسيطًا، لكنه يُحدث فرقًا كبيرًا في تقليل الشعور بالإرهاق، ويمنحك فسحة للاستمتاع بما تفعلين.
هل لاحظتِ كيف تزداد سرعة حركتك أو تفكيرك دون داعٍ؟ سواء كنتِ تطبخين، أو تنظفين، أو حتى تتصفحين الإنترنت، خففي وتيرتك بنسبة 25%. راقبي نفسك، وكوني واعية لأي تسارع مفاجئ، ثم خذي نفَسًا عميقًا وتذكري عبارة الفيلسوف الصيني لاو تزو: "لا شيء أفضل من أن تنشغل بلا شيء". فبطء الأداء لا يعني التقصير، بل هو تمرين على الوعي بالحظة، والانفصال عن ضغط الإنجاز المستمر.
جهازك العصبي يعمل بنظامين متعاكسين: "السمبثاوي"، الذي يشعرك بالتوتر والاستعداد للطوارئ، و"الباراسمبثاوي"، المسؤول عن تهدئة الجسد والعقل. وللأسف، أغلبنا يعيش في حالة تأهب مزمن، دون وجود خطر حقيقي. لذا، من الضروري إعادة تفعيل الجانب الهادئ في نظامنا العصبي عبر تقنيات بسيطة لكنها فعالة:
ضعي يدك على معدتك وراقبي ارتفاعها وانخفاضها. هذا النوع من التنفس يرسل إشارات مباشرة للدماغ بأنك في أمان.
ركّزي على اللحظة الحالية دون حكم، سواء كنتِ تغسلين الصحون أو تتأملين الطبيعة.
تخيلي نفسك في مكان هادئ تحبينه؛ غابة، شاطئ، أو مرج مفتوح. استحضري الأصوات والروائح والإحساس بالهواء على وجهك.
مرّري إصبعك برفق على شفتيك. نعم، يبدو بسيطًا، لكنه فعليًا ينشّط الأعصاب المسؤولة عن الراحة؛ ما يساعدك على التهدئة فورًا.
قد تبدو "المهام المتعددة" مهارة لا بد منها في زمننا، لكنها في الواقع من أكبر مسبّبات التوتر العقلي. فمحاولة القيام بعدة أمور في آنٍ واحد ترهق الدماغ وتشتت الانتباه. استوحي من مقولة العالِم الكوري: "حين تقرأ، فقط اقرأ. حين تأكل، فقط كلْ." أي، مارسي كل نشاط بذاته وركّزي عليه بالكامل.
لا بأس إن لم تستطيعي التخلّي عن التعدد تمامًا، فحتى تقليله له أثر واضح على صفاء الذهن. وشيئًا فشيئًا، ستلاحظين تحسّنًا في جودة يومك وشعورك بالراحة النفسية.
التباهي بالانشغال لم يعد وسامًا للنجاح، بل دعوة للتراجع خطوة والتساؤل: هل أعيش بإيقاعي الخاص؟ التباطؤ الواعي لا يعني التراجع، بل هو قرار شجاع باستعادة السيطرة على حياتك، لحظة بلحظة. فهل أنتِ مستعدة لتجربة الحياة بإيقاع أبطأ وأكثر وعيًا؟