header-banner
ماذا يقرأ حسين جلعاد؟

ماذا يقرأ حسين جلعاد؟

ثقافة
محمود الخطيب
19 أبريل 2025,8:54 ص

زاوية "ماذا تقرأ؟"، نافذة تسلط الضوء على عوالم القراءة لدى الكُتّاب والمؤثرين والفنانين، نهدف من خلالها إلى استكشاف الكتب التي تُلهمهم، وتكشف عن اهتماماتهم الفكرية، وتروي لنا قصصًا عن شغفهم بالقراءة، وكيف تؤثر في مساراتهم الشخصية والمهنية، إنها مساحة للاحتفاء بالكتاب والقراءة كوسيلة للإبداع والتطور.

يكشف الشاعر والصحفي الأردني حسين جلعاد، علاقته العميقة بالكتب ورائحتها، ونظرته إليها وكيف اشتبك مع الكتاب الأول، ويكشف ميوله إلى نوعية الكتب التي يفضلها.

ويبين جلعاد في حديثه مع موقع "فوشيا"، رؤيته لعالم القراءة واهتماماته، ويفسر علاقته بالكتاب الورقي والإلكتروني.

كيف ومتى بدأت علاقتك بالكتاب؟

بدأت علاقتي بالكتاب منذ الطفولة، قبل بدء القراءة بالمفهوم الفعلي. ربما حين كنت أسترق النظر إلى مكتبة أبي، وأحاول فك طلاسم العناوين الكبيرة التي لم أفهمها وقتها. أو حين أزاحم أخوتي الكبار على كتبهم. كنت أظن أن الكتاب عالم مغلق على الكبار، حتى اكتشفت أنه مفتوح لمن يملك الفضول، وهذا الفضول لم يفارقني منذ ذلك الحين. مع الوقت، صارت القراءة أكثر من عادة، بل أصبحت نوعًا من البوصلة التي توجهني في لحظات التيه، والمرآة التي أعيد عبرها النظر إلى العالم وأفكاره.

أنا من أصول بدوية، والكلام يبدأ معنا باكرًا من الاستعارة، من اللغة المواربة شبه الفصيحة، كشاعر، بدأت العلاقة مع الكلمات في طفولتي المُفعمة بالأسئلة، حيث كانت القصائد البسيطة أولى نوافذي إلى عوالم الخيال. قصائد الزير وملاحم بني هلال في الروايات الشفهية زرعت في داخلي حب الكلمة.

وفي المدرسة، كان لرائحة الكتب طعم المعرفة. قطع السكّر التي ستعلمنا سحر البيان. وفيما بعد ستصبح الكتب والصحف وثائقَ نتعلم منها اكتشاف الحقائق وحكايات الناس. بعد قليل ستأخذنا لذة الكلمات إلى تحويل دفاتر المدرسة لمساحاتٍ سرد حكايا خيالية، كأنني أبنّي عالمًا موازيًا بورقيّات الحبر. الكتاب كان ولا يزال رفيقي.

ماذا تقرأ اليوم؟

5cae91aa-8a2f-47e7-b0f0-49abaf71fb2b

اقرأ هذه الأيام كتابين، الأول: "متاهة الضائعين: الغرب وأعداؤه" للكاتب أمين معلوف، والثاني "أنت السبب يابا: الفاجومي وأنا" للكاتبة نوارة نجم. 

ما الذي يتناوله هذان الكتابان؟

كتاب "متاهة الضائعين" يطرح فيه معلوف إشكاليةً ساخنة: كيف تُشكِّلُ الخطاباتُ السياسيةُ صورتَنا عن "العدو"؟ الكتابُ أشبه بتحقيقٍ استقصائي ينبشُ في الجذورِ الفلسفيةِ للصراع بين الغربِ ومَن يُوصمون بـ"أعدائه"، وكيف تُستخدَمُ هذه الصورةُ لتبريرِ الحروبِ الواقعيةِ والرمزية. يتناول كتاب "متاهة الضائعين" أزمة الهوية والانقسام الحضاري بين الشرق والغرب، ويرصد كيف أصبح الغرب يعيش حالة اغتراب عن نفسه في ظل التحولات السياسية والاجتماعية. وتستطيع أن ترى أيضًا كيف أن العالم العربي في المقابل تائه بين أحلام النهضة وكوابيس السقوط.

أما الكتاب الثاني "وأنت السبب يابا" فهو كتاب شخصي، لكنه يحمل في داخله صدى جيل كامل. فالناشطة السابقة والكاتبة نوارة نجم تكتب عن علاقتها بوالدها الشاعر الشهير أحمد فؤاد نجم، لكنها لا تروي فقط سيرة شخصية، بل تحكي عن الثورة، عن النضال، وعن كيف تكون ابنًا (أو ابنة) لشخصية بحجم الفاجومي، بكل ما يحمله ذلك من بهجة وألم وتناقضات.

تستخدم نوارة نجم، في كتابها سلاحَ السخريةِ السوداء والصراحةِ المُفجعة كأدواتٍ لتفكيكِ تابوهات المجتمع المصري: السلطة الأبوية، التعصب الديني، وانفصامُ الشخصيةِ بين ما نرفضه علنًا ونعيشه سرًّا. الكتابُ أشبه بسيرة ذاتية، لكنه أيضًا أشبه بتقرير صحفي مُقنّع بحكايات العائلة، حيثُ "الفاجومي" (الرجل البسيط) يصبحُ رمزًا لتناقضاتِنا كلها. 

كتاب نوارة نجم "وأنت السبب يابا"، أشبه بندبةٍ شعريّة مكشوفة: حكايةٌ شخصيةٌ تتحول إلى مرثيةٍ لجيلٍ يحملُ أوجاعَ الابن والأبِ معًا. اللغةُ هنا مباشرةٌ كالسكين، لكن جرحها يُطلِقُ رائحةَ التراب والياسمين معًا، كأن الكاتبة تُذكِّرنا أن الأدب قد يكونُ صوتَ الصراخِ حين نعجز عن التغافل أو التمويه.

لماذا اخترت هذين الكتابين معًا؟

لأنهما يمثلان وجهين لعملةِ القلقِ ذاتها: الأول يسأل عن ضياعِ الحضاراتِ في صراعاتها، والثاني يسأل عن ضياعِ الأفرادِ في حروبِهم الصغرى. كلاهما يُجسدان قناعتي أن الكتبَ لا تُقرأُ بالعقلِ وحده، بل بالوجعِ المُشتركِ بين الكاتبِ والقارئ.

أنا أبحث دائمًا عن نقاط التقاطع بين الهوية والسياسة، بين الانتماء الفردي والانتماء الجماعي. أمين معلوف يحلل التغيرات الكبرى بعين المؤرخ والروائي، بينما نوارة نجم تكتب من قلب التجربة، من زوايا البيت والذكريات والمواجهات اليومية. الأول يعطيني رؤية بانورامية للعالم، والثاني يأخذني إلى الحميمي والشخصي، وفي كليهما، هناك سعي لفهم هذا الزمن المربك.

من هو كاتبك المفضل؟

من الصعب أن أختصر الإجابة في اسم واحد. نحن لا نتحدث عن المطرب العاطفي، الكتابة نهر روحاني متدفق طوال الوقت. عمومًا أنا أميل إلى الأدباء الذين يكتبون بجرأة فكرية وشاعرية عالية. أحب مثلًا أمين معلوف في سردياته التاريخية، ومحمود درويش في شعره الذي يصوغ معاني الوطن والمنفى، ودوستويفسكي في قدرته العميقة على سبر أغوار النفس البشرية. أحب في غالب هلسا انشقاقه عن الوعي الخشبي. ويضحكني هنري ميلر في هجائياته لأميركا المتعجرفة. 

متى تقرأ؟

أقرأ طوال الوقت، سواء بسبب متطلبات عملي، أو لمتعتي العقلية. وأحيانًا أقرأ دون حاجة، كمن يفتح نافذة فقط ليتأكد أن العالم لا يزال هناك. في الصباح الباكر، حيث الذهن صافٍ، أو في آخر الليل، حيث تنعس الأفكار.

طبعاً لكل قراءة وقتها وزمنها، أقرأ كشاعرٍ في الليل، حين تهدأ الأصوات، وتتسعُ المسافات للكلمات. كصحفي، أقرأ مع القهوة وشروق الشمس، حيث الأخبار والوثائق تتطلبُ انتباهَ الصباح. أقرأ في أي وقتٍ يسمح لي بالسفر إلى عوالم الآخرين، دون أن أنقطع عن بناء عالمي.

وهناك الوقت المحرم، حيث تتوقف القراءة كليًا، وتحديدًا قراءة الأدب، إنه الوقت الذي يتنزل فيه وحي الكتابة الإبداعية. هذه مرحلة حساسة لا يمكن أن تقرأ فيها أحدًا كي لا تشوش على كتابتك الخاصة، إنها لحظة شفافة.

أين تحب أن تقرأ؟

الكتب السياسية والفكرية أقرأها في كل مكان. أما الكتب الأدبية، فأحب قراءتها في أماكن تمنحني إحساسًا بالعزلة، دون أن تكون معزولة تمامًا. مقهى راق فيه ضجيج خافت، شرفة تطل على الشارع، ركن في مكتبة عامة، أو ببساطة سريري قبل النوم.

هل من مجالات أو كتب معينة تجذبك؟

انجذب عمومًا إلى الأدب الذي يدمج بين الخيال والتاريخ، وإلى الفلسفة التي تثير الأسئلة، أحب الكتب السياسية التي لا تكتفي بالتحليل السطحي، وأسعى إلى السير الذاتية التي تكشف عن الإنسان خلف الصورة العامة. الشعر موجود معي باستمرار، أقرؤه في كل وقت، بل وأحاول أن أحفظ ما أحبه. وأفتش دائمًا عن التحقيقات الصحفية التي تكشفُ طبقاتٍ خفيّةً من الواقع.

بين الإلكتروني والورقي.. أيهما الأحب أو الأقرب إليك؟

الكتاب الورقيُّ عشق قديم: رائحةُ الأوراق، لمسةُ الغلاف، وشعورُ المهابة والفرح الذي يُصاحبُ اقتناءَ الكتاب. أما الكتاب الإلكترونيُّ فهو صديقٍ عملي: أحمله في السفر، وأبحث فيه عن المعلومة بسرعة. لكنني كشاعرٍ وصحفيٍّ وروائي، أظلُّ أضمُّ الورقيَّ إلى صدري، فهو يمنحني إحساسًا بأن الكلمات كائناتٌ ماديةٌ تتنفسُ بجواري.

أخبار ذات صلة

ماذا يقرأ ماجد المهندس؟

google-banner
footer-banner
foochia-logo