زاوية "ماذا تقرأ؟"، هي نافذة تسلط الضوء على عوالم القراءة لدى الكتاب والمؤثرين والفنانين، نهدف من خلالها إلى استكشاف الكتب التي تلهمهم، وتكشف عن اهتماماتهم الفكرية، وتروي لنا قصصا عن شغفهم بالقراءة، وكيف تؤثر في مساراتهم الشخصية والمهنية، إنها مساحة للاحتفاء بالكتاب والقراءة كوسيلة للإبداع والتطور.
في ظلّ تنوّع الاهتمامات الثقافية واختلاف دوافع القراءة بين الأجيال، يبرز الفنان السوري إسماعيل تمر كصوت مختلف، لا يقرأ من أجل التسلية أو مجاراة "الترند"، بل يقرأ بدافع البحث والتشكّل الداخلي، ورغم انطلاقه من عوالم الفن والتمثيل، فإن تجربته مع الكتاب قادته إلى ميادين التنمية البشرية والروحانيات وعلم النفس، حيث وجد ضالته في بناء الذات وفهم الإنسان من الداخل.
كيف ومتى بدأت علاقتك بالكتاب؟
منذ عام 2006، عندما كنت أحب التمثيل، كنت أقرأ عن أنطون تشيخوف، وويليام شكسبير، وقسطنطين ستانيسلافسكي. ما يعني أن هؤلاء الثلاثة هم الذين كنت أقرأ أكثر لهم، وكنت أقرأ قليلاً من شعر محمود درويش، والحلاج، ونزار قباني، وامرئ القيس، فهؤلاء كانت بدايتي في القراءة حبًا بالتمثيل والمسرح.
ماذا تقرأ اليوم؟
مهما كانت الرواية ذات صدى، أنا لا تجذبني كثيرا. قرأت كثيرا من الروايات في حياتي كما قرأت كتبا عشوائية، بعضها بسبب اسمها، وبعضها لأنها ترند. لكن حاليا أصبحت أركّز وأوجّه اهتمامي فقط إلى كتب التنمية البشرية وعلم النفس، وكل كتاب أقرأه يكون لأجل البحث عن شيء معيّن فيه، سواء كان عن الذات أو العلاقة مع الإله، أو كيف تُبنى العلاقات، أو إعادة هيكلة بناء الإنسان. وكل الكتب التي أقرأها أهدف منها إلى تطويري من الداخل. لم أعد أحب أن أقرأ لأحلام مستغانمي أو غيرها، فلم أعد أقرأ سوى كتب التنمية في الفترة الأخيرة، وآخرها كتابي "لا تكن عشوائياً".
ما الذي يتناوله هذا الكتاب؟
يتناول أطروحة في علم النفس قدّمتها بنفسي، كانت فيها تجارب كثيرة عن نفسي وعن الأشخاص من حولي. ويهدف الكتاب إلى إعادة بناء الإنسان من الصفر، والفوكَسة، وتوجيه الإنسان إلى أشياء وجدانية بعيدة عن الماديات التي حكمتنا، سواء في السوشيال ميديا أو في طريقة طرح العلم والدين والثقافات من قبل القوة الحاكمة على الأرض. وأحببت من خلال الكتاب، أن أُعيد الإنسان من حالته المشتتة والعشوائية، وأن أُعيد ترتيبه من الصفر، فكوّنت الإنسان وصنعته كقصر. داخل هذا القصر توجد 9 غرف، وهذه الغرف التسع يجب أن يرتبها كل إنسان بداخله، ثم نخرج إلى حديقة القصر، التي تمثل الدنيا.
بعد أن ترتّب الغرف التسع بالخطّة التي قدّمتها في الكتاب، تخرج إلى حديقة القصر وتبدأ بزراعة الزهور، فتأتيك الفراشات، وتختار الفراشة التي تريدها، بدلًا من أن نقضي حياتنا في مطاردة الفراشات وهي تهرب.
والمقصود هنا بالفراشات هو: المال، الصحة، العلاقات، النجاح، السلام الداخلي، السلام النفسي، السمعة الطيبة، المعارف الجيدة، الشغف، والعمل الصحيح، وكل ما نريده في الحياة. وأنا سمّيت هذه الأشياء فراشات، ونحن في الواقع نلاحقها وهي تهرب، لأننا لم نرتب أنفسنا من الداخل. فهذا الكتاب يهدف إلى إعادة بناء الإنسان من الداخل، خصوصا الإنسان السوري.
من كاتبك المفضل؟
لا أملك هذه الميزة أن أحب كاتبا وأسير على نهجه؛ لأنني ضد فكرة أن يتمسّك الإنسان بشيخ أو أستاذ ويقول "هذا قدوتي". قدوتي هي كل الناس الناجحة، وهناك أكثر من شخص، لكن ربما أكثر شخص أثّر فيّ هو الدكتور مصطفى محمود. وأعتقد أنني لم أترك له ندوة أو محاضرة، فحضرت له أكثر من 170 محاضرة، وقرأت له حوالي 10 كتب. وأشعر أنه الأكثر تأثيرا فيّ، ويشبهني بطريقة تفكيره وماضيه.
متى تقرأ؟
اقرأ وقت عزلتي بعيدا عن الناس، لمدة ساعة أو ساعتين يوميا قبل النوم. لكن حاليا أقرأ مرتين في الأسبوع، إلا إذا كان هناك كتاب أود إنهاءه، فأثابر عليه لمدة أسبوع، ساعتين أو ثلاث قبل النوم.
أين تقرأ؟
أقرأ في الاستوديو الخاص بي، وهو استوديو معزول صوتيا، قمت بتجهيزه بإضاءة معينة تُشبهني، أنا شخص هادئ، أحب العزلة ولا أحب الضجيج، فهناك أقرأ.
هل من مجالات وكتب معينة تجذبك؟
أي كتاب يتحدث عن التنمية البشرية، عن علم النفس، عن أمور روحانية ووجدانية، عن علاقة الإنسان بالأرواح، عن البُعد الخامس، عن الماورائيات، أحب أن أبحث في هذه الأمور. وكل شيء خارج هذه المواضيع لا يعنيني. وما يجذبني حاليا، الأشياء المختلفة البعيدة عن المادية.
بين الإلكتروني والورقي، أيهما الأحب أو الأقرب إليك؟
ليست المسألة مسألة محبة. أنا ضد كل ما هو إلكتروني، حتى كتابي منعت نشره إلكترونيا.
أحيانا، إن كان هناك شخص لطيف، أحب أن أستمع له وهو يقرأ كتابا مسموعا، عندما لا يكون لدي مزاج لحمل كتاب وقراءته. لكنني مع الورقي مئة بالمئة، فالقارىء يعيش مع الكتاب رحلة جميلة، وهناك شيء نفسي في ملمس الورق، ونوعية الورق، وبهذا نكون قد عدنا قليلًا إلى فطرتنا، وابتعدنا عن الموبايلات والسوشيال ميديا والإلكترونيات، فأنا مع الورقي تماما.