شهدت جنازة الموسيقار الراحل زياد الرحباني، نجل الفنانة اللبنانية فيروز، لحظة إنسانية نادرة تصدّرت حديث رواد مواقع التواصل الاجتماعي، حين جلسَت المطربة ماجدة الرومي على ركبتيها أمام فيروز، لتواسيها في رحيل ابنها.
تلك اللحظة أعادت إلى أذهان الجمهور العلاقة العميقة بين عائلتي النجمتين في عالم الموسيقى اللبنانية؛ ليستذكر البعض دور والد ماجدة الرومي، الموسيقار حليم الرومي، في اكتشاف السيدة فيروز.
حليم الرومي لعب دوراً كبيراً في تشكيل معالم مسيرة فيروز، التي بدأت بموهبة لامعة سرعان ما أضاءت سماء الغناء العربي، والتي لم يكن من الممكن أن تجد طريقها إلى الشهرة لولا هذا الاكتشاف الفريد.
كان حليم الرومي (1919-1983) واحدًا من أبرز الشخصيات الموسيقية في لبنان ومن أوائل رواد الإذاعة اللبنانية، وهو الذي أشرف على القسم الموسيقي في إذاعة "الشرق الأدنى" في بداية الخمسينيات.
هناك، اكتشف صوتًا مميزًا أضاء مشهد الغناء العربي، وهو صوت نهاد حداد، التي ستعرف لاحقًا باسم فيروز.
كان حليم الرومي أول من اكتشف موهبتها الفائقة، وأُعجب بقدرتها على التنقل بين الأنماط الموسيقية الغربية والعربية، ما جعلها تحمل طابعًا فنيًا متفردًا في مشهد الغناء العربي.
أحد أهم أدوار حليم الرومي في حياة فيروز كان اختياره لاسمها الفني "فيروز"، والذي أصبح اليوم أيقونة للغناء العربي الأصيل.
لم يقتصر دوره على الاكتشاف وحسب، بل كان له دورٌ أساسي في توجيه مسيرتها، حيث أدخلها إلى كورال الإذاعة اللبنانية ومن ثم بدأ بتلحين أولى أغنياتها، وكان يوليها اهتمامًا خاصًا، سعيًا لتقديم صوتها بأبهى صورة. كانت الموهبة واضحة، لكن لم يكن ليُسمح لها بالظهور دون إشرافه المباشر.
بعيدًا عن الاكتشاف، كان حليم الرومي هو الذي مهد الطريق لتعاون فيروز مع الأخوين رحباني، ومن خلال هذه الشراكة، نشأ واحد من أنجح التحالفات الموسيقية في تاريخ لبنان.
فمنذ عام 1951، شرعت فيروز مع منصور وغياث رحباني في رحلة فنية كانت محورية في تغيير شكل الموسيقى اللبنانية والعربية. ومن خلال تلك الشراكة، استطاعوا إنشاء مئات الأغاني والأعمال المسرحية التي خلدت اسم فيروز كأحد أعظم أصوات الغناء العربي.
كما كان حليم الرومي هو من أسهم في إطلاق مسيرة فيروز الفنية، فإن ابنته ماجدة الرومي أصبحت هي الأخرى جزءًا من هذه السلسلة العائلية الموسيقية.
نشأت ماجدة في بيئة فنية جعلت من الموسيقى جزءًا من كيانها، إلا أن والدها كان في البداية مترددًا في دعم دخولها إلى مجال الغناء. فبسبب القيم التي نشأ عليها، كان يصر على ضرورة أن تركز على دراستها أولاً، مُؤكدًا على أهمية العلم قبل الفن.
ومع ذلك، وبعد أن أظهرت ماجدة جدارتها الصوتية ونجاحها في برنامج "استوديو الفن" بعد حصولها على شهادة البكالوريوس في الأدب العربي من الجامعة اللبنانية، أبدى والدها دعمه الكامل لها، ليبدأ فصل جديد في تاريخ العائلة الفنية مع دخول ماجدة إلى الساحة الفنية بثقة.
إرث حليم الرومي في اكتشاف وتوجيه فيروز كان له تأثير عميق في مسار الموسيقى العربية الحديثة، ويظل هذا الإرث مستمرًا من خلال ابنته ماجدة الرومي.
وبينما تظل فيروز رمزًا خالداً للغناء اللبناني والعربي، نجد أن تأثير عائلة الرومي الفني قد امتد ليشمل أجيالاً جديدة من الفنانين والموسيقيين، مما يثبت أن الدور الذي بدأه حليم الرومي لم يكن مجرد بداية عابرة، بل إرث مستمر أثرى الثقافة الفنية في لبنان والعالم العربي.