لطالما قيل لنا إن الغاية من وجودنا تكمن في إيجاد "الرسالة الكبرى" التي تفسّر كل ما نقوم به.
تلك الفكرة التي يُفترض أن تمنح لحياتنا معنى، وتكون بمنزلة نجم قطبي نسترشد به في قراراتنا وخياراتنا.
لكن، ماذا لو كانت هذه الفكرة ليست فقط مبالغًا فيها، بل مضللة أيضًا؟
الحقيقة أن السعي الحثيث وراء إيجاد تلك الرسالة أو الغاية الكبرى قد لا يؤدي إلى الشعور بالسلام أو الامتلاء، بل إلى القلق والإجهاد والتشتّت.
بدلًا من ذلك، ربما حان الوقت لنُعيد تعريف الغاية وننظر إليها لا كفكرة نبحث عنها، بل كفعل نمارسه.
عندما نربط مفهوم الغاية بـ"السبب" أو الرسالة التي علينا اكتشافها، فإننا نخلق ضغطًا هائلًا على أنفسنا، نشعر أن علينا اتخاذ القرار الصحيح منذ البداية، وأن علينا معرفة ما وُجدنا لأجله تمامًا، وإلّا ضاعت حياتنا هباءً، هذه الفكرة تجعل الغاية نادرة وثقيلة، أشبه بجوهرة علينا أن نكتشفها أو نخسر كل شيء.
والأسوأ من ذلك، أنها تغلق الباب أمام احتمالات كثيرة، حين نبحث عن "رسالة واحدة صحيحة"، نخشى اتخاذ خطوات جديدة خوفًا من أن تكون "خاطئة"، وهكذا نعلق في التردد بدل أن نتحرّك.
المعنى هو قصتك الخاصة عن الماضي: تجاربك، وجروحك، وما عشته وشكّلك، أما الغاية فهي في الحاضر: في ما تفعلينه الآن، وفي اللحظات التي تشعرين فيها أنك حيّة، ومندمجة، ومتصلة بذاتك.
أن تعثري على غايتك لا يعني أن تفهمي كل شيء عن نفسك، بل أن تنتبهي إلى ما يحرّكك الآن: ما يثير حماسك، وما تفقدين فيه الإحساس بالوقت، وما يمنحك شعورًا بالرضا.
اسألي نفسك: ما الذي يضيؤني؟
بدل أن تسألي: "ما رسالتي في الحياة؟"، جربي أن تسألي:
الغاية الحقيقية تُبنى بالفعل المتكرر، لا بالفكرة المجردة، هي في الممارسة اليومية، لا في النظريات الكبرى.
قد تقولين: لكنّي لا أعرف بعد ما الشيء الذي يضيؤني، لا بأس، لا أحد يولد بمعرفة تامة، الغاية تُكتشف عبر التجربة، لا عبر التفكير فقط، جربي، وأخطئي، وغيّري المسار، وراقبي شعورك في كل مرة.
معرفة الذات وفهم تجارب الماضي ضروريان لبناء الحاضر، لكن لا تجعلي من تلك المعرفة شرطًا لتبدئي في العيش، فالغاية ليست بحثًا فلسفيًا، بل طريقًا عمليًا نخطوه كل يوم.
لا تنتظري لحظة الاكتشاف الكبرى، ولا تبحثي عن اللافتة التي تقول لك "هذا هو السبب"، بدلاً من ذلك، عيشي اللحظة، وركّزي على ما يمكنك فعله اليوم، واسمحي للغايات الصغيرة أن تنمو، وللخطوات البسيطة أن تقودك، فهناك، في الفعل اليومي، تنبض الحياة الحقيقية.