هل أنتِ متأكدة أن ما تشعرين به نابع من داخلك، أو أنك التقطته للتو من فيسبوك أو إنستغرام؟
بهذا السؤال اللافت، فتحت الكاتبة أرونداتي روي، الحائزة على جائزتي "بوكر" و"لويس ليتراري"، باباً واسعاً للتأمل في أثر وسائل التواصل الاجتماعي على وعينا ومشاعرنا.
ترى روي أننا نعيش في زمن لم يسبق للبشرية أن واجهت فيه هذا السيل المتدفق من المعلومات. ولم يحدث من قبل أن أصبح امتلاك أكبر قدر من المعرفة شرطًا لقيمة الفرد في المجتمع، كما هي الحال اليوم.
تساءلت روي عن العبء العقلي الذي يفرضه هذا الكم الهائل من المعلومات التي نستهلكها يوميًّا عبر المنصات الرقمية، وعبرت عن خشيتها من أن يكون هذا الاستهلاك المتواصل سببًا خفيًّا في تآكلنا الداخلي، وفي انهيار قدرتنا على التفكير والتركيز مع الوقت.
ورغم أن تنوع المحتوى وغناه قد يمنحنا إحساسًا بالاطلاع والارتباط بالعالم، فإن للواقع وجهًا آخر، يحمل في طياته الكثير من التأثيرات السلبية، منها:
يؤثر الانغماس الطويل في محتوى سطحي ومشتت على صفاء الذهن، ويُضعف القدرة على التركيز، ويؤدي إلى ما يُعرف بـ"تعفّن الدماغ"، وهو شعور بالخمول الذهني وفقدان القدرة على التفكير العميق.
إن تدفق المحتوى المتواصل، والذي غالبًا ما يكون منخفض الجودة، يرهق الدماغ ويمنعه من معالجة أو الاحتفاظ بالمعلومات المفيدة؛ ما يُضعف قدرتنا على اتخاذ قرارات واعية.
تعزز وسائل التواصل الاجتماعي المقارنة الاجتماعية، وتغذي تصورات غير واقعية عن النجاح والسعادة؛ ما قد يؤدي إلى الشعور بالعجز والقلق، خاصة لدى الفئات الأكثر هشاشة مثل المراهقين.
رغم الإحساس الظاهري بالتواصل، فإن هذه المنصات كثيرًا ما تحل محل العلاقات الواقعية، لتترك المستخدم في عزلة أعمق مما يبدو.
تجعلنا هذه الوسائل نُهمل تفاصيل حياتنا الواقعية، وننغمس في عالم افتراضي يأكل من وقتنا وصحتنا النفسية على المدى البعيد.
تقول روي بنبرة تحذير: "من فضلك، حاول أن تغلق جهازك ليوم واحد على الأقل في الأسبوع، فقط لتبدأ." وتُضيف: "نحن لسنا بحاجة إلى كل هذه المعلومات، ولسنا مضطرين لمعرفة كل شيء عن كل شيء. هذا ليس طبيعيًّا."
وتؤمن روي أن ما يستحق معرفته حقًا هو ما يحيط بنا: الأرض التي نعيش عليها، جيراننا، الطيور، والحيوانات. هذا هو الواقع الذي يستحق الانتباه، لا الضجيج المتواصل القادم من خلف الشاشات.
أصبح من الصعب علينا اليوم التمييز بين ما نشعر به فعلاً، وما تم تلقينه لنا عبر الخوارزميات. اختلطت الأصوات، وتشوشت الأفكار، وبات الضجيج الرقمي ينعكس على دواخلنا تمامًا كما يلوّث سمعنا خارجيًّا.
التقليل من استخدام وسائل التواصل وتعزيز العلاقات والأنشطة الواقعية لم يعد رفاهية، بل ضرورة لحماية وعينا وصحتنا النفسية معًا.