في لحظة ما، ونحن نُقبل على تجربة جديدة، أو نتخذ قراراً مصيرياً، قد نشعر بأن الأرض تهتز تحت أقدامنا. لا بسبب خطر حقيقي، بل لأننا نجهل ما ينتظرنا خلف هذا القرار. هنا، يبدأ "الخوف من المجهول" في التسلل بصمت، حتى يتحول إلى تردد، ثم إلى انسحاب.
قد نظن أننا وحدنا من نشعر بذلك، لكن الحقيقة أن هذا النوع من الخوف متجذر في النفس البشرية.
بحسب دراسة نُشرت في "Journal of Anxiety Disorders"، فإن الدماغ البشري مبرمج بيولوجيًا لتجنّب الغموض. عندما لا نستطيع التنبؤ بما سيحدث، ينشط الجهاز الحوفي المسؤول عن المشاعر، ويبدأ العقل في تضخيم الاحتمالات السلبية.
هذا ما يجعل المجهول يبدو، في أذهاننا، أكثر تهديداً مما هو عليه في الواقع.
تقول عالمة النفس "سونيا ليوبوميرسكي" من جامعة كاليفورنيا: نحن لا نخاف من التغيير بحد ذاته، بل من احتمال أن يكون هذا التغيير أسوأ مما نعيشه الآن. الخوف من المجهول يجعلنا نتمسك بما نعرفه، حتى لو لم يكن الأفضل، فقط لأنه مألوف.
ووجدت دراسة من جامعة "إكستر" البريطانية أن الدماغ يشعر بارتياح أكبر حين يعرف أن شيئاً سيئاً سيحدث، أكثر من شعوره عند الانتظار في حالة غموض. أي أننا، نفسياً، نفضل الألم المؤكد على القلق المفتوح.
لسنا مضطرين لأن نعرف كل شيء. هذه الحقيقة البسيطة قد تُربكنا في عصر السرعة والمعلومات الفائضة، لكنها أيضًا مفتاح للراحة النفسية والتوازن. فالغموض جزء من الحياة، وهو لا يعني بالضرورة الخطر أو الفشل، بل قد يكون بوابة لتجارب جديدة لم نكن نتخيلها.
لكن، كيف يمكن لنا أن نهدئ عقولنا حين تضطرب أمام كل ما لا نعرفه؟ وكيف نحمي أنفسنا من فخ التردد والانسحاب فقط لأن الطريق غير واضحة؟ إليك بعض الأساليب:
عندما يخيفنا المستقبل أو أي قرار كبير، يبدأ العقل تلقائياً في رسم سيناريوهات سلبية. "ماذا لو فشلت؟"، "ماذا لو خسرت كل شيء؟"، "ماذا لو لم يكن هذا الخيار هو الصحيح؟".
هنا، يجب أن نتعلم أن نفرّق بين التفكير المنطقي والتفكير المشوّه. يمكنك أن تسأل نفسك:
تغيير نبرة الحديث الداخلي هو أول خطوة للتخفيف من رعب المجهول.
عقولنا تحب الوضوح، وتكره الأسئلة المفتوحة. لكن الحياة لا تُقدَّم لنا بنسخة كاملة وواضحة. لا وجود لمسار مهني مضمون 100%، ولا علاقة خالية تماماً من المخاطر، ولا قرار لا يتضمن جانباً مجهولاً. والحل؟
المجهول لا يُهزم بالقفز الكبير، بل بالخطوة الصغيرة المتكررة.
هناك فرق بين من يرى الغموض كتهديد، ومن يراه كفرصة. حين نُغيّر نظرتنا من "ماذا لو خسرت؟" إلى "ماذا يمكن أن أتعلم؟"، نمنح أنفسنا مساحة للحركة.
هذه النظرة لا تلغي الخوف، لكنها تجعله أقل سيطرة.
ابحث عن جوانب الفضول في التجربة. اسأل نفسك:
التعامل مع المجهول لا يعني القفز إلى المجهول دفعة واحدة. يمكنك أن تدرب نفسك على تحمّله تدريجياً:
كل خطوة خارج منطقة الراحة تقوي مرونتك النفسية، وتعيد برمجة دماغك ليطمئن أكثر أمام التغيّر.
الخوف من المجهول لا يعني أنك ضعيف أو غير جاهز. حتى أنجح الناس يشعرون به، لكنهم لا يتركونه يوقفهم. التوتر لا يجب أن يكون إشارة توقف، بل إشارة إلى أن ما تفعله مهم.
خُذ نفساً عميقاً. راقب إحساسك، واعرف أنه سيمر. ثم تابع.
الخوف من المجهول ليس ضعفاً، بل هو جزء من نظامك الدفاعي الطبيعي. لكن الفرق الحقيقي بين من يتقدّم ومن يتراجع، هو القدرة على السير رغم الخوف، لا بغيابه. ففي نهاية المطاف، لم تُكتب أعظم الحكايات في مناطق الأمان.