ليست كل عبارات الرفض التي تصدر عن الأطفال تعني ما نظنه حرفيا، فحين يقول طفلك "لا تقترب مني!"، قد يكون في الحقيقة يتوسّل قربك، ويبحث في صمته الصاخب عن الأمان، لا العزلة.
في اللحظات التي يبدو فيها الطفل عنيدا، رافضا، أو حتى وقحا، يخيل إلى الكثير من الآباء أن ما يحدث هو نوع من التحدي الشخصي أو قلة الاحترام.
لكن الحقيقة أعمق بكثير. ففي أغلب الأحيان، يكون هذا السلوك أشبه بإشارة استغاثة... وليس جدارا منيعا.
الطفل لا يملك دائما الكلمات المناسبة ليعبّر عن شعوره بالإرهاق، أو عن خوفه من خيبة أملك، أو حاجته إلى من يهدئ عاصفة مشاعره.
فيلجأ بدلًا من ذلك إلى الصراخ، الرفض، أو التصرفات الخارجة عن السيطرة. يقول جسده "ابتعد"، بينما يستصرخ جهازه العصبي الداخلي: أرجوك، طمئنني أنني ما زلت آمنًا، وما زلت تحبني.
التربية المبنية على العقوبات فقط تفشل في تهدئة الطفل الذي يعاني من اضطراب انفعالي. ففي لحظة الانفجار، لا يكون الطفل قادرا على التفكير المنطقي أو الاستجابة للتهديدات أو التوبيخ.
ما يحتاجه فعلًا في تلك اللحظة هو "تنظيم مشترك للمشاعر" – أي وجود بالغ ثابت وهادئ يوصل له، عبر نبرة صوته وحضوره الجسدي، رسالة واضحة: أنا هنا. ولن أتخلى عنك.
عندما يتحول دورك من مراقب للسلوك إلى مستكشف لما وراءه، تتغير طريقة تعاملك جذريا. إليك بعض العبارات التي تساعد على هذا التحول:
جرب: يبدو أن هذا الوضع صعب عليك. دعنا نأخذ نفسا ونحاول من جديد.
قل: ألاحظ أنك غاضب. سأمنحك بعض المساحة، وسأكون قريبا إذا احتجتني.
اسأل: ما الذي يزعجك الآن؟ ساعدني على فهم ما تمر به.
الطفل العنيد لا يحتاج إلى مزيد من الشدة.. بل إلى مزيد من القرب، فالطفل الذي يبدو مزعجا في سلوكه هو غالبا طفل يشعر بالضعف، أو سوء الفهم، أو الوحدة العاطفية. والاستجابة الأنسب هنا ليست فرض السيطرة، بل بناء الجسور.
هذا لا يعني التخلي عن الحدود أو القواعد، بل أن تكون الأب أو الأم الذي يضع الحدود بثقة، من دون أن يغلق القلب. فالطفل بحاجة إلى قائد هادئ، لا إلى خصم متوتر.
في اللحظة التي يبدو فيها الطفل مستفزًا إلى أقصى حد، يكون غالبا بأمسّ الحاجة إلى من يحتضنه داخليا، حتى من دون كلمات. تلك هي اللحظة التي يُبنى فيها عمق العلاقة، وتُزرع فيها بذور الثقة طويلة الأمد.
فلا تنخدع بالصوت العالي أو الجملة الجارحة، فخلف كل صرخة: دعني وحدي، هناك نداء خفي يقول: هل ستظل تحبني رغم كل هذا؟