في قلب كل أمّ صوتٌ داخلي، لا يُشبه سواه. أحيانًا يهمس بلطف: "افحصي حرارة طفلك"، وأحيانًا يصرخ بلا هوادة: "هناك خطب ما، حتى لو بدا كل شيء طبيعيًا".
في تلك اللحظة، يصعب على الأم أن تُميّز بين حدس صادق يستدعي الانتباه، وقلق متخم بالمخاوف.
فما الفرق بين الشعورين؟ وكيف يمكن للأم أن تستمع لصوتها الداخلي دون أن تضيع في دوامة التوتر؟
الحدس ليس خيالًا أو عاطفة طارئة، بل هو معرفة داخلية دقيقة، متحررة من الضجيج العقلي، تتجلى، غالبًا، في لحظات الصمت أو التركيز العميق. هو شعور هادئ، لا يحتاج إلى براهين، ولا يستجدي القلق، بل يمنحك يقينًا صامتًا بأن هناك شيئًا يستحق الانتباه.
قد يكون هذا الحدس هو ما يدفعك إلى تغيير طبيب طفلك رغم أن كل التحاليل طبيعية، أو الشعور بأن صغيرك يحتاج إلى احتضان أطول هذه الليلة دون سبب واضح. وغالبًا، حين نُراجع هذه اللحظات لاحقًا، نكتشف أن صوتنا الداخلي كان محقًا.
أما القلق، فهو مختلف تمامًا. لا يأتي بهدوء، بل يُرافقه صوت داخلي مضطرب، مليء بالأسئلة والتشكيك: "ماذا لو لم ألحظ المرض مبكرًا؟ ماذا لو كان بكاؤه علامة على شيء خطير؟ ماذا لو تسببتُ في أذى له دون قصد؟"
القلق يُنهك الجسد والعقل، ويستنزف الأم في كل التفاصيل. يجعلها تراقب نوم طفلها بأنفاس متقطعة، وتعيد قراءة تعليمات الدواء مرارًا، وتغرق في البحث عبر الإنترنت عن أعراض نادرة.
والأخطر أن القلق يتنكر، أحيانًا، في هيئة حدس. فتظن الأم أن "شعورها" حقيقي، بينما هو في الحقيقة امتداد لتوتر لم يُحل، أو تجربة قديمة لم تُغلق أبوابها بعد.
هناك إشارات يمكنك التمييز عبرها بين القلق وحدس الأمومة الفطري، إليك أهمها:
هل هو هادئ وواضح؟ أم متسارع ومليء بالتشويش؟ الحدس يُشبه المعرفة الصافية، بينما القلق يُشبه التحذير الزائد والمبالغ فيه.
إذا كان الشعور يظهر، مرارًا، في مواقف كثيرة، ويصيبك بالإرهاق المستمر، فهو على الأرجح قلق. الحدس لا يُطاردك يوميًا، بل يُضيء لحظات محددة.
الحدس لا يترك أثرًا ثقيلًا في الجسد. أما القلق، فيرافقه توتر عضلي، تسارع في النبض، أرق، ودوامة لا تهدأ من التفكير.
القلق يتغذى على تجارب سابقة: فقدان، ذنب، أو إحساس بالعجز. أما الحدس، فغالبًا لا يرتبط بماضي، بل ينبع من لحظة حضور صافية.
إليك بعض الممارسات التي تجعلك تفرقين جيداً بين القلق والحدس:
مشاعر الأمومة واسعة، متناقضة، وغالبًا ما تتشابك بين الحب والخوف، بين اليقين والشك. لكن تذكّري دومًا: أنتِ القادرة على إعادة الاتصال بحدسك الحقيقي، حين تهدئين وتثقين بصوتك الداخلي. أنتِ لستِ في صراع بين عقل وقلب، بل في رحلة اكتشاف تُمكّنك من أن تكوني أمًا حاضرة، واثقة، ومتّصلة بجذورها الفطرية.