لطالما أبلغ البحارة عن ظاهرة غامضة لعدة أجيال، وهي ظاهرة التوهج الواسع في المحيط الذي يستمر طوال الليل، أحيانًا لعدة أشهر متواصلة.
يتوهج المحيط في خليط من الأضواء الخضراء والبيضاء التي تمتد على مساحات واسعة، قد تصل إلى 100 ألف كيلومتر مربع، ويُلاحظ في بعض الأحيان من الفضاء.
وأطلق البحارة على هذه الظاهرة اسم البحار اللبنية، ورغم ملاحظتها لقرون، لا يزال العلماء يجهلون أسباب حدوثها.
سعى باحثون في جامعة ولاية كولورادو الأميركية لفهم هذه الظاهرة بشكل أفضل من خلال جمع قاعدة بيانات تضم مشاهدات شهدها البحارة على مدار الـ400 عام الماضية.
ونُشِرت الأبحاث في دورية علوم الأرض والفضاء، بحيث تم تضمين تقارير شهود عيان، بالإضافة إلى بيانات الأقمار الاصطناعية الحديثة.
وأظهرت نتائج البحث أن هذه الظاهرة تحدث غالبًا في بحر العرب والمناطق المجاورة للمحيط الهندي، وترتبط بشكل إحصائي بظاهرة النينيو الهندي والنينيو الجنوبية.
تشير النتائج إلى أن التوهج يحدث عادة في مناطق بحرية محددة، مثل شمال غربي المحيط الهندي بالقرب من سواحل الصومال وسقطرى.
وهذه المناطق تتميز بتنوع بيولوجي كبير، وهي ذات أهمية اقتصادية في عمليات الصيد. كما ترتبط هذه الظاهرة بتغيرات مناخية تؤثر في أنماط الطقس، خاصة تلك الناتجة عن الرياح الموسمية الهندية.
تحدث ظاهرة التوهج الحيوي في الطبيعة بعدة أشكال، ولكن بالنسبة للبحار اللبنية، لا يزال الباحثون يحاولون فهم السبب الفعلي وراء حدوث هذا التوهج.
واحدة من أبرز الاكتشافات هي عينة تم جمعها من مياه البحر عام 1985 بواسطة سفينة بحثية، حيث تم العثور على نوع من البكتيريا المضيئة التي تتسبب بهذا التوهج الكبير.
من خلال قاعدة البيانات الجديدة، يأمل العلماء في التنبؤ بشكل أفضل بموعد حدوث هذه الظاهرة، وبالتالي إرسال سفن بحثية إلى مواقعها لجمع معلومات عن التركيب البيولوجي والكيميائي للبحار اللبنية.
ويتوقع الباحثون أن تساعد هذه الدراسات في ربط الظاهرة بنشاطات أخرى على سطح الأرض، مثل تغيرات المناخ والأنماط البيئية في المحيطات.
يشير الباحثون إلى أن الضوء الذي يشاهد في البحار اللبنية هو غالبًا ناتج عن نشاط بيولوجي مرتبط بالبكتيريا المضيئة.
والمناطق التي تشهد معظم هذه الظاهرة هي في شمال غربي المحيط الهندي، حيث يؤدي تغير أنماط الرياح والتيارات البحرية دورًا في تحفيز النشاط البيولوجي.
البروفيسور ستيفن ميلر، أحد مؤلفي الدراسة، أكد أن البحار اللبنية تمثل إحدى العجائب الطبيعية التي ما زلنا نكتشف أسرارها.
ومن خلال قاعدة البيانات الجديدة، يطمح الباحثون إلى توسيع فهمنا للعلاقة بين المحيطات والجو، ودور البكتيريا في النظام البيئي الأرضي، وبالتالي تعزيز ارتباطات علمية بين الماضي والحاضر.