منذ عقود، والعالم يعجّ بالتصنيفات الجاهزة عن "المرأة العاطفية" و"الرجل العملي"، وعن الفروق في التفكير والتواصل والتصرّف بين الجنسين.
لكن الأبحاث الحديثة، وتحديدا تلك التي تعتمد على دراسات تصوير الدماغ وتحليل السلوك، بدأت تكشف لنا أن معظم هذه الاعتقادات لا تقوم على أساس علمي متين، بل على رواسب ثقافية ومبالغات اجتماعية.
في هذا السياق، يقدم الدكتور بوبي هوفمان، أستاذ علم النفس في جامعة سنترال فلوريدا، عبر مقال منشور في موقع Psychology Today، خمس نقاط تكشف كيف أن أدمغة الرجال والنساء تعمل بتشابه يفوق ما كنا نتصور.
صحيح أن الفتيات غالبا ما يبدأن بالكلام في عمر مبكر مقارنة بالذكور، ويتمتعن بقدرات لغوية أعلى، إلا أن الفكرة الشائعة بأن النساء أكثر كلاما لم تثبت علميا. دراسة حديثة شملت أكثر من ألفي مشارك من أربع دول، وجدت أن المعدل اليومي للكلمات المتداولة متقارب جدًا بين الجنسين – حوالى 12,500 كلمة. الحديث والتعبير يرتبطان أكثر بالسياق الاجتماعي والعمر، وليس بالهوية البيولوجية.
الاعتقاد بأن الرجال يملكون حس اتجاهات أعلى من النساء لا يجد دعما علميا قاطعا. الفارق الحقيقي يكمن في طريقة التفكير: الرجال يميلون لاستخدام الاتجاهات العامة (مثل "اتجه شمالا")، في حين تعتمد النساء على تذكّر المعالم ("انعطف عند المبنى الأحمر"). كلا النمطين فعّال، ويُعد اختلافا في الاستراتيجية وليس في القدرة.
تصوير الدماغ يكشف أن الرجال والنساء يعالجون المشاعر بشكل متقارب، لكن الفارق في التعبير عنها هو ما يصنع الصورة النمطية. النساء، وخصوصا في الثقافات الغربية، يمِلن إلى التعبير عن المشاعر الإيجابية، في حين يظهر الرجال مشاعر مثل الغضب أكثر، ويتجنبون التعبير عن الحنان أو الحزن. ما يُفهم على أنه "فرق بيولوجي" هو في الحقيقة نتيجة تنشئة اجتماعية متجذّرة.
الخرافة التي تقول إن النساء أفضل في أداء المهام المتعددة ليست دقيقة. العلم يؤكد أن "تعدد المهام" ليس فعليا، بل ما يحدث هو تبديل سريع للانتباه، وكلما زاد عدد المهام، قلّ الأداء. التصوير العصبي يُظهر أن الجنسين يعانيان من الانخفاض نفسه في الكفاءة عند محاولة أداء أكثر من مهمة معا. ما يختلف أحيانا هو طريقة تنظيم الانتباه، وليس القدرة نفسها.
صحيح أن النساء يُظهرن في المتوسط درجة أعلى من التعاطف وجودة العلاقات، لكن الرجال يميلون إلى تكوين عدد أكبر من العلاقات السطحية. ومع ذلك، معظم المؤشرات المستخدمة لقياس التعاطف تعتمد على تقارير ذاتية، تتأثر بالصورة الاجتماعية المتوقعة من كل جنس. وهنا يتضح أن الدور الذي يلعبه المجتمع في تشكيل سلوكنا الاجتماعي قد يكون أكبر من تأثير الجنس البيولوجي.